دراساتصحيفة البعث

الانتخابات الحزبية.. الاستئناس وحدة قياس

ليست الانتخابات الحزبية مسألة جديدة في حياة حزب البعث العربي الاشتراكي، فهي متجذرة في أدائه الديمقراطي حتى قبل قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963 وكانت الانتخابات تشمل كل المستويات من الفرقة وحتى القيادة القطرية والقومية، وشكلت الانتخابات الحزبية إحدى أهم روافع الديمقراطية في الحزب واختبار قياداته المتسلسلة من مستوى قيادة فرقة وصولاً للقياد القطرية والمركزية لاحقاً.

إن الانتخابات الحزبية والاستئناس الحزبي على أي مستوى كان هو ضرورة وظاهرة صحية في حياة الحزب والوطن، لأنه يوفر فرصة حقيقية للجهاز الحزبي كي يمارس حقه في اختيار قياداته وممثليه في المؤسسات الديمقراطية المنتخبة، سواء كان ذلك على مستوى المنظمات والنقابات، أو على صعيد المجالس التمثيلية وصولاً لمجلس الشعب  المؤسسة الديمقراطية الأعلى التي يفترض أن تعكس حجم القوى السياسية والمجتمعية في فائض قوة حقيقي.

وفي مراجعة لمسار الديمقراطية الحزبية عبر مساراتها ومنعرجاتها، لابد من الإشارة إلى أنها واجهت نجاحات وإخفاقات، وتعرضت لمزيد من النقد في إطار تقييم الناتج والمحصلة الانتخابية التي يرى الكثيرون أنها ليست بالمستوى المطلوب من حيث الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية، وتمثيل وتمثل سياسة الحزب الاجتماعية والاقتصادية، وأنها لم تفرز الأفضل والأكفأ. وهذا يطرح السؤال حول المعيارية التي يتبعها الناخبون عند ممارستهم لخياراتهم وما هي المؤثرات التي تدفعهم لتلك الخيارات هل هي الكفاءة والخبرة والمقدرة القيادية ونظافة اليد والمواقف الوطنية والسمعة وغيرها من عناصر طالما تحدث عنها البعثيون وغيرهم كمعايير انتخابية ولكنه في غالبيتهم لم يلتزموا بها، وتأثروا بالموروث الاجتماعي السلبي دون التطرق لمسمياته لما يشكله ذلك من حرج لمن يشير إليه بمسمياته؟

بحكم المؤثرات غير الموضوعية التي تحكم سلوك وخيارات الكثير من الناخبين، وبحكم الروابط الاجتماعية والمحسوبيات والاستهدافات لبعض الرفيقات والرفاق ممن يجدون في أنفسهم  الكفاءة  والتميز ويصبحون هدفاً للبعض، ما يجعلهم خارج قائمة الفائزين، وما يسببه ذلك لهم من أذية نفسية ويجعلهم يحجمون عن خوض العملية الانتخابية .

إن جهازنا الحزبي بشكل عام ونتيجة لعوامل كثيرة ليس لديه تقبل لفكرة الرسوب في الانتخابات الحزبية، وهذه مشكلة حقيقية أو إشكالية يجب تجاوزها،  وضرورة تكريس  ثقافة النجاح والرسوب في الانتخابات. والمسألة الأخرى التي يجب التوقف عندها هي حالة المجاملات والوعود غير الصادقة التي يبديها الكثير من الرفاق المنتخبين للمترشحين، ما يشجعهم على خوض الانتخابات ثم يتفاجؤون بالرسوب، وعدم حصولهم ولو على نسبة معقولة من الأصوات التي وعدوا بها، ما يجعلهم يتخذون مواقف سلبية مستقبلية من عملية الترشح والانتخاب، فعدم شفافية الرفاق في تعاطيهم مع كتلة المترشحين والازدواجية في الوعود هي قضية سلبية وظاهرة   الوقوف عندها ومعالجتها وتجاوزها كثقافة سلبية لا تليق بجهاز حزبي يفترض به أن يكون شفافاً وواضحاً في خياراته ومواقفه الانتخابية.

إن الحديث عن بعض سلبيات عملية الاستئناس الحزبي أو الانتخاب لا يعني تجاوز ايجابياتها التي تفوق بشكل كبير تلك السلبيات التي يمكن تراجعها مع استمرار وتكريس العملية الديمقراطية، وتحصينها بالاشتراطات المتعلقة بالترشح، وهذا دور قيادة الحزب، وكذلك الحراك والحوار الذي يجب أن يسبق عملية الاستئناس، ويمهد لها ويفرش لها الأرضية والوعي المطلوبين، فالتمهيد للعملية الديمقراطية من قبل القيادات والنخب الفكرية ووسائل الإعلام الحزبي والجماهيري عبر خطاب واضح ومحدد الملامح يساهم حتماً في تجويد المردود من خلال وحدة قياسه عبر تحليل الناتج.

إن الحديث عملية ديمقراطية مثالية هو حديث بعيد عن الواقع، وهذا ينطبق على كل الديمقراطيات في العالم، فثمة خصوصيات لكل مجتمع وثقافة انتخابية تميزه عن غيره من حيث المؤثرات التي تحيط بالعملية الديمقراطية، ولكن الوصول إلى مستوى مقبول من الخيارات الصحيحة والمناسبة والمعقولة مسألة ممكنة من خلال حراك توعوي تقوده المؤسسات الحزبية القيادية والإعلام الحزبي واللجان المشرفة على العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها، وهذا يفترض أن يسبق العملية الانتخابية سواء كان ذلك عبر جولات على الشعب والفروع، أو قبل عملية الانتخاب، وهذا يرتبط بالقدرة على تقديم خطاب مقنع قادر على التأثير في كتلة الناخبين التي تضم بالتأكيد أعداداً غير قليلة ممن يمتلكون الوعي المناسب لاختيار الأفضل والأكفأ من بين المترشحين.

ولاشك أن اخذ هذه الأمور بعين الاعتبار سيكون له نتائج ايجابية على العملية الديمقراطية، ويوصل إلى محصلة انتخابية جيدة قادرة على أن تحظى بتأييد قاعدة شعبية واسعة ومنافسة للحصول على أكثرية أصوات الناخبين عند إجراء الانتخابات  العامة في الخامس عشر من شهر تموز القادم 2024 وبمنافسة مع القوى السياسية والاجتماعية الأخرى، بحيث تعكس فائض قوة اجتماعية وطبقية تبرز وتظهر، ليس فقط قاعدة الحزب من منتسبيه، وإنما قاعدته الشعبية بطيفها الوطني الواسع، ما يجعل الحزب قادر على إيصال ممثليه لمجلس الشعب ليكونوا صوته فيه من خلال قدرتهم على تمثل سياساته وبرامجه وتعبيرهم عن مصالح الجماهير الواسعة التي نذر الحزب منذ تأسيسه لتحقيقها وأصاب قدراً كبيراً من النجاح في تحقيقها،  وما زال أمامه الكثير من الأهداف والتحديات التي فرضتها ظروف الحرب على سورية، ولاسيما الواقع المعيشي والاقتصادي ودور الحزب الاجتماعي، ناهيك عن أن ثمة تحديات تواجهنا منها ما يتعلق بسيطرة قوى خارجية على الجغرافية الوطنية، والمحاولات البائسة في ضرب وحدة التراب والشعب السوري عبر عناوين كاذبة ومخادعة تحتاج لجهد شعبي وتوعوي ومقاوم لإسقاطها وهزيمتها جنباً الى جنب مع قواتنا المسلحة  الباسلة التي استطاعت بتضحياتها الجسيمة هزيمة أكبر مشروع استعماري غربي صهيوني استهدف الأمة والمنطقة بكاملها.

د . خلف المفتاح