الشّاعر كامل بشتاوي: أميل إلى الكتابة عن الهم الإنساني والسياسي
حمص- عبد الحكيم مرزوق
حين التقينا الشاعر كامل عبد اللطيف بشتاوي عرّفنا بنفسه أنّه شاعر فلسطيني- سوري، يحاول إيجاد مكان له بين الشعراء لعلّه يصبح شاعراً في المستقبل، بهذه الكلمات المختصره أوجز نظرته إلى الشعر ومن يكتبونه، فالساحة مليئة بالشعراء ومن يكتبون أو ينظمون الشعر.. لكن هل كلّهم تنطبق عليهم تسمية الشاعر؟ تبقى الإجابة مرهونة بالزمن الذي سيفرز في المستقبل الغث من السمين.
يقول بشتاوي: “أحببتُ الشعر والأدب عموماً منذ نعومة أظفاري، لكن بسبب اليتم المبكر عشت طفولة مرهقة وصعبة، لذلك لم أجد من يمسك بيدي ويوجّهني بشكل مدروس نحو الأدب وكيفية صياغة الكلمات، ولم أستطع شراء ديوان شعر واحد فكنت أستعير من أصدقائي بعض تلك الدواوين، ولم أكن أمتلك رفاهية القراءة حينها بسبب نزولي إلى العمل بعد رحيل والدي المبكر الذي تركنا بلا معين، ومرّت الأيام حتى أصبحت أعرف كيف أصوغ بعض الكلمات، فكتبت حينها بعض السطور التي شاهدها أستاذ اللغة العربية الذي شجّعني على القراءة واقتناء ما أستطيع من دواوين الشعراء لكي أصقل موهبتي، لكن ظروف الحياة الصعبة أبت إلا أن تشتّت أفكاري وتحرفها نحو سوق العمل فكنت أخرج من المدرسة، متوجهاً إلى العمل لأعود بعد ذلك مرهقاً مثقَلاً بالهموم لا أقوى على فعل شيء، ومضت الأيام وكتبت قصيدة هي الأولى وأرسلتها لبرنامج “أقلام واعدة” الإذاعي أعتقد كان هذا في السبعينيات وأرسلت قصيدة لجريدة “العروبة” ولم أعد أذكر تاريخها، كتبت كثيراً لكن جلّ كتاباتي ضاعت بسبب إهمالي وعدم إمكانية نشرها”.
وعن سبب تسمية مجموعته الشعرية الأولى بـ “هكذا يهطل المطر” قال: “هكذا يهطل المطر إجابة على سؤال افتراضي وهو كيف يهطل المطر؛ أو لماذا يهطل المطر؟ لأن المطر أحد أهم عناصر الحياة، بل أكثر من ذلك فهو إكسير الحياة، وبحبسه يموت كل شيء حيّ وتكثر الزلازل وتنشط البراكين وتتشظى الصخور وتنخفس الأرض وتتخلخل الجبال لأن الماء يشكل 70% من الأرض، ولأن المطر يمرّ بمراحل عديدة حتى يصل للحظة الهطو.. المطر إعجاز رباني لولاه ما كانت الحياة على هذا الكوكب”.
وفيما إذا كان العنوان يدلّ على المضمون يقول بشتاوي: “نعم.. تماماً، وقد اخترته لما للمطر من أهمية في حياتنا، قصيدتي “هكذا يهطل المطر” تتضمن الكثير من الصور، عنوانها ينسجم مع ما ورد ضمن نسيج القصيدة من إشارات إلى معنى الحياة، فأنا أقول في نهايتها:
هكذا يهطل المطر
من غيمتين تنهمران
على وجنتين مثقلتين بالألم
فتمسحان عنهما عطش السنين”.
في الشكل تبدو المجموعة ذات همّ وجداني إنساني، لكن هذا الانطباع سرعان ما يتلاشى ليشعر القارئ بالهمّ السياسي الكامن بين السطور، يوضح بشتاوي: “لقد تعمّدت ذلك وهو أسلوبي بالكتابة بشكل عام، فأنا أميل إلى الكتابة عن الهمّ الإنساني والسياسي، لأن السياسة تؤثر وتتأثر بالإنسان الذي يبني حضارة بلاده، وهو من يرفع شأنها في كلّ العصور فقد كان الإنسان محور الأحداث في كل المجالات”.
يلمس القارئ الحنين والشوق إلى أماكن كثيرة تختزنها الذاكرة، التي يسطر بعض ملامحها، وبسؤالنا عمّا إذا كان يعتقد بأن الأماكن تفجر مخزون الذاكرة؟ يجيبنا بشتاوي: “بلا أدنى شك.. الأماكن هي خيالاتنا التي ترافقنا وتسكن في زوايا الذاكرة وبين خفقات القلب، ومن خلالها نشعر بأننا لا نزال على قيد الحياة، ومن خلال هذه المجموعة أردت قول الكثير، لكن الأكثر أهمية هو حبّ الأرض والوطن والتفكر بما حبانا الله به من خيرات، فالمجموعة تختزن الكثير من القصص في كلّ قصيدة قصة، وفي كل قصة هدف، ومعنى القصيد هي حالة قائمة بذاتها هي بناء من إحساس عالٍ ومشاعر ودموع وشعور بالقهر من العالم”.
وأوضح بشتاوي أنه يكتب قصيدته من خلال مرحلة وصفها بالقول: “تبدأ بلحظة تجلٍّ أشعر خلالها بأنني في عالم آخر، فتنغمس مشاعري مع الحدث أو القصة التي سأصقلها بقالبٍ نثري، وأستعير من الطبيعة ما يخدم معنى القصيدة، وأتحسّس ما تختزنه الذاكرة من مشاهد وصور وأصوات تعطي القصيدة نبضها، وأنسجم بكليتي مع كل حرف أكتبه فيندمج الإلهام مع تأوهات الطبيعة والألم الداخلي لديّ فأصبح جزءاً من القصيدة”.
ورداً على سؤال: “أنت شاعر فلسطيني، والقضية الفلسطينية تظهر بين السطور بشكل غير معلن لماذا؟ وأنت ابن القضية؟”، يجيب: “أنا أعتمد الرمزية في كتاباتي، لكن مع ذلك هناك الكثير من قصائدي تتحدث عن الهمّ الفلسطيني وتحثّ على مقارعة العدو الصهيوني، وسيظهر هذا في مجموعاتي القادمة التي ستطبع قريباً، ومنها “عندما تنتحب القصيدة” و”أوجاع النرجس”، وأنا بصدد تحضير المجموعة الشعرية الرابعة”.
وينوّه بشتاوي بما يكتبه الشعراء الشباب من كلا الجنسين، ويرى أن هناك نوابغ لهم مستقبل باهر، فهم يبدعون في كتابة الشعر ومتمكنون من اللغة بشكل كبير.