صحيفة البعثمحليات

ليست عادية..!!

بشير فرزان

يشكّل الوضع الاقتصادي الصعب وما يتعلّق به من تداعيات الحصار، وغيرها من القضايا الناتجة عن سنوات الحرب الطويلة، التحدي الأكبر أمام الجهود المبذولة لتحسين الواقع المعيشي، خاصة وأن هناك نقصاً في الموارد وحالة غلاء كبيرة، وهذا ما ضاعف المعاناة لذوي الدخل المحدود، وفاقم المشكلات أمام الجهات المعنية، وأضاف تحدّياً كبيراً آخر أمامها تمثّل بعدم القدرة على ضبط السوق السوداء لمختلف المواد الأساسية (خبز، غاز، بنزين، مازوت)، إضافة إلى مشكلات أخرى باتت أكثر ثقلاً على حياة الناس، وفي مقدّمتها النقل وتحكّم أصحاب شركات النقل والسائقين بالأجور الكيفية التي لا ترحم جيوب المواطن!

ومع الاعتراف بأن الأزمة ليست عادية، بل أزمة حادة ومركبة ومعقدة، وخاصة في مثل هذه البيئة الصعبة والقاسية التي يصعب العمل فيها، وتقييم الأداء الحكومي بشكل دقيق، إلى جانب صعوبة اعتماد معايير ثابتة للتخطيط والتنفيذ، إلا أن ذلك لا يلغي مسؤولية القرارات الصادرة في الفترة الماضية عن تأزيم الواقع، فهناك الكثير من الإجراءات التي اتُخذت دون أن تترافق مع قرارات لردم الفجوة الكبيرة بين دخل المواطن ونفقاته. وهنا لا بدّ من العودة إلى قرارات رفع الدعم أو إعادة توزيعه عن المشتقات النفطية وبعض المواد الغذائية، ما رتّب زيادة في التكاليف في قطاعات مختلفة، ومنها النقل، إضافة إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الضرورية، الأمر الذي خلق فجوة كبيرة بين دخل المواطن ونفقاته، وهذا اقتضى بالضرورة عدم قدرة الأسرة السورية على تأمين أغلب حاجياتها الضرورية، وتحوّل المجتمع السوري من حالة الحاجة إلى حالة الفقر في أغلبه.

ولا شكّ أن الاستمرار في تشخيص الواقع الحياتي يبرز حالة عدم الاكتراث بما يجري في يوميات المواطن الذي يلهث وراء رغيف الخبز دون أن يستطيع تأمينه، حيث يُكتفى بتقديم خوارزمية رقمية لتكاليف إنتاجه وما يستنزفه الدعم لهذه المادة من الموازنة، في وقت يُترك الحبل على الغارب للذين يتاجرون بحبة القمح، حيث نسمع عن فساد كبير في قطاع الحبوب والمطاحن وبأرقام خيالية، هذا إلى جانب هدر وسرقة موصوفة في قطاع الأفران، وهنا الحديث يطول عن شبكات تستثمر في أنظمة الإشراف لتحقيق مصالحها وجمع ثروات هائلة، وطبعاً هذا الواقع انعكس على كافة مراحل إنتاج الرغيف، وهنا نتوقف مع تجارة الخبز التي باتت رائجة أكثر من أي وقت مضى وبدعم من الحكومة، سواء لجهة قرارات التوطين والمعتمدين التي زادت من حالات الابتزاز والانتفاع وروّجت بشكل علني للتجارة بهذه المادة، سواء في الأفران أو كتجارة رائجة في السوق السوداء، حيث يظهر العجز في مكافحتها تحت غطاء الظرف المعيشي الصعب للمتاجرين بالمواد المدعومة وعلى مرأى جميع الجهات!!.

باختصار.. وجود أكثر من سعر للمادة الواحدة يعني استمرار الحركة التجارية النشطة في السوق السوداء، وهنا ندعو الحكومة والمفكرين الاقتصاديين للتعاون وإيجاد معادلة رياضية حسابية صحيحة تأخذ بعين الاعتبار تقليص فاتورة الهدر وضبط ما يُقال عن أنه استنزاف للمال العام، في حين أنه وحسب الوقائع هو سرقة موصوفة، وهناك أدلة واضحة لإدانته وتجريمه.