اشتداد الحملة الانتخابية يؤدّي إلى انقسام أكبر
عناية ناصر
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرّرة في الخامس من تشرين الثاني، يقوم دونالد ترامب بتوبيخ جو بايدن باستمرار، ويردّ الأخير عملياً بالطريقة نفسها، فكلاهما لا يخجل من الوقاحة في تعبيراته. وقد أشارت صحيفة “واشنطن بوست” مؤخراً، إلى أن “قدرة القادة الأمريكيين على ترجمة إرادة الشعب إلى سياسة معقولة تبدو هشة”، وأن الأمريكيين العاديين لا يثقون في الحكومة: “لا يحظى الكونغرس بشعبية كبيرة تاريخياً، فأكثر من 80% من الناخبين لا يوافقون على أدائه، ولأول مرة منذ عقود من استطلاعات الرأي، أصبح لدى الأمريكيين آراء أكثر سلبية تجاه المحكمة العليا”.
إلى أين تتجه الولايات المتحدة؟
ووفقاً لوسائل الإعلام فإن المستهلك الأمريكي يشعر بالانزعاج بشكل متزايد من التضخم، حيث لا تزال الأسعار مرتفعة للغاية، وقد وصل التضخم إلى 20% منذ وصول بايدن إلى السلطة.
لدى أغلبية الأمريكيين مشاعر متشائمة، إذ تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن 59% من المشاركين يعدّون البلاد في حالة انحدار، ويعتقد 66% أن البلاد بحاجة إلى زعيم قوي “لانتزاع البلاد من الأغنياء والأقوياء”.
هناك قضيتان رئيسيتان تقسمان الرأي العام الأمريكي أكثر من غيرهما. الأولى هي اتساع فجوة عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء، ولا تتحدث الصحافة في كثير من الأحيان عن هذا الأمر، لكنه يثير قلق الكثير من الناس العاديين، حيث يريد الأغنياء الحفاظ على مواقعهم، فقد أصدرت أربع ولايات أمريكية (أركنساس، وأيداهو، وداكوتا الجنوبية، وأيوا) بالفعل قانوناً يحظر على الحكومات المحلية اعتماد برامج الدخل الأساسي، ويتلخّص هدفه في ضمان مستوى ثابت من الأمن المالي لجميع الناس بغض النظر عن العمل. وتجري حالياً محاولات لفرض الحظر نفسه في ولاية تكساس.
تظل العنصرية مشكلة حادة أخرى، فحتى الآن، تظهر عبارة “للبيض فقط” في إعلانات الوظائف. وبهذا الخصوص كتبت صحيفة “واشنطن بوست” في 27 أيار عن الخوف المتأصل من أن المهاجرين قد يغيّرون التركيبة العرقية والهوية وتوازن القوى السياسية في أمريكا، وهذا الخوف “يطارد البيض في الولايات المتحدة”. ووفقاً للتعداد السكاني الأخير للولايات المتحدة، يقدّر إجمالي عدد السكان بنحو 335 مليون نسمة، منهم 204 ملايين من البيض. كل هذا يحدث وسط مشكلات أخرى متصاعدة في أمريكا، وخاصة انتشار المخدرات، حيث تظهر أحدث البيانات أنه لأول مرة في التاريخ، تجاوز تعاطي الحشيش الكحول كمخدر يومي للأمريكيين.
الأمريكيون غير راضين عن سياسة واشنطن
إن الأمريكيين غير راضين عن السياسة الخارجية أيضاً، فوفقاً لمركز بيو للأبحاث، قال 73% من المشاركين في الاستطلاع إن حماية البلاد من الهجمات الإرهابية يجب أن تكون أولوية قصوى. ومن بين الأهداف الملحّة الأخرى الحدّ من التدفقات غير المشروعة للمخدرات إلى الولايات المتحدة (64%) ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل (63%). ويشكل دعم أوكرانيا أهمية كبيرة بالنسبة لـ 37% من الديمقراطيين، بينما يعدّه 12% فقط من الجمهوريين ضرورياً. ويختلف الموقف من دعم “إسرائيل”، حيث يؤيّد 39% من الجمهوريين دعم “إسرائيل” و8% فقط من الديمقراطيين.
من جهة أخرى، يشعر معظم الأمريكيين بالقلق إزاء ارتفاع معدلات الجريمة في البلاد، فعلى الرغم من انخفاض معدل جرائم القتل في معظم المدن بشكل طفيف مقارنة بفترة الوباء، إلا أن “الجرائم ضد الممتلكات وسرقة السيارات والسطو آخذة في الارتفاع، ما يعزز الشعور بالخروج على القانون الذي ينتشر على الشبكات الاجتماعية والمنتديات المحلية عبر الإنترنت”.
وأسفر المؤتمر الأخير للحزب اللبرالي (الذي حصل على 1% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة) عن انتخاب تشيس أوليفر مرشحاً للحزب لمنصب الرئيس، الذي دعا بنشاط إلى وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا ووضع حدّ للحرب في غزة. رفض الحاضرون ترامب وروبرت كينيدي جونيور مرشحين لهم بعد أن ألقى كل منهما خطاباتٍ أمامهم.
تدعم وسائل الإعلام الرئيسية في أمريكا الديمقراطيين في الأغلب، وغالباً ما تهاجم ترامب وتتحدّث بالتفصيل عن محاكماته الجنائية الأربع. في الوقت نفسه، حتى صحيفة “نيويورك تايمز”، الموالية بشدة للرئيس الأمريكي الحالي، تنشر الكثير من المواد التي تنتقد بايدن، وتلومه على “فشل سياساته في الشرق الأوسط والإضرار بسلطة أمريكا الأخلاقية”. وأشار عدد 24 أيار من الصحيفة إلى أن فشل بايدن في غزة جعل الولايات المتحدة متواطئة في مقتل المدنيين، بما في ذلك تجويع الأطفال. لقد قوّض ذلك موقف أمريكا في أوكرانيا، ولم يساعد “إسرائيل” على تدمير المقاومة الفلسطينية، أو إعادة الأسرى أو تحسين الأمن على المدى الطويل، وهذا يمكن أن يقلل من فرص بايدن في الفوز بولايات رئيسية مثل ميشيغان.
دون أي خطة واضحة لمرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة أو الضفة الغربية، فإن سياسة بايدن في الشرق الأوسط تنهار، إضافة إلى أن استمرار “إسرائيل” في الإبادة الجماعية في قطاع غزة يدفع المجتمع الأمريكي إلى حافة الهاوية، وفي هذا السياق يتحدّى طلاب الجامعات المؤسسة السياسية في الجامعات في جميع أنحاء البلاد.
يشار إلى أن أنشطة ما يسمّى “منتدى الشعب”، الذي يضمّ أعضاء مثل نيفيل سينغام وزوجته جودي إيفانز، اللذين تصفهما الصحافة بالماركسيين المليونيرين، أصبحت تحظى بشعبية متزايدة بين الشباب. إنهم يقدّمون المساعدة للمظاهرات المؤيّدة للفلسطينيين ويوزّعون مواد تظهر أن النظام الأمريكي يفضّل المال على حياة الأشخاص.