ثقافةصحيفة البعث

ما هو مستقبل سينما الشباب في سورية؟

أمينة عباس

استطرد المشاركون في ندوة “مستقبل سينما الشباب في سورية”، التي أقيمت مساء أمس، في المركز الثقافي العربي بـ”أبو رمانة”، الحديث عن السّينما وتاريخها في سورية، إذ ذكَّرَنا المخرج هشام فرعون بالمحاولات الأولى للسينما السورية من خلال أفلام “المتهم البريء” لرشيد جلال و”تحت سماء دمشق” لإسماعيل أنزور، ومعاناتهما كثيراً لترى هذه الأفلام النور، إلى جانب التجربة الفريدة لرشيد جلال الذي طبع فيلمه على ورق السجائر لعدم وجود مواد خام حينها، مضيفاً: كل هذه المعاناة التي عاشها السينمائيون الأوائل يعيشها السينمائيون اليوم، فالمعاناة في مسيرة هذا الفن كانت مع أول فيلم سوري تمّ صنعه، ومنذ ذلك الوقت أنتجت سورية أكثر من ٢٥٠ فيلماً طويلاً والمئات من الأفلام القصيرة، وقد بدأ يقلّ إنتاجها في حقبة التسعينيات وتباطأت أكثر في السنوات التالية التي شهدت في الوقت ذاته ظهور سينما الشباب ومهرجانها ودبلوم العلوم السينمائية وتأسيس المعهد العالي للسينما ودبلوم صناعة الفيلم القصير في دار الفنون ومهرجان نيجاتيف السينمائي الذي تقيمه دار الفنون وفريق رؤيا”.

وخلص فرعون من خلال كل ما أُنجز من تجارب ومحاولات تحت عنوان “سينما الشباب” إلى أن: “أغلب المخرجين الشباب ينظرون إلى الفيلم القصير على أنه محطة عبور أو جسر للفيلم الطويل، وتتم معالجة السيناريو من دون فهم طبيعة الفيلم القصير، حتى أن البعض يظنّ أن زمن الفيلم هو الذي يحدّد تصنيفه، ويخلط البعض الآخر بينه وبين الدراما التلفزيونية وبعض النماذج الفنية المستحدثة، إلى جانب أن بعض الأفلام تعاني التكرار والتقليد من دون إبداع، وتُصنع ضمن ظرف إنتاجي صعب وبمعدات قديمة، كما تفتقد للجوانب التسويقية التي تشكل عاملاً حاسماً في الحدّ من المشاهدين، فالأفلام تُصور وتُعرض في المهرجانات ثم توضع في الأدراج ولا تُعرض على وسائل التواصل الاجتماعي”، لكن ماذا عن إيجابيات هذه التجارب؟ يجيب فرعون: “استطاعت هذه التجارب أن تقدم سينما سورية جديدة بروح هواة شباب شغوفين بالفن السابع، فلمعت بعض الأسماء التي أظهرت مواهب خلاقة، واستطاع بعضها الوصول إلى منصات التتويج السينمائية في محافل ومهرجانات عربية مهمة، وهناك تطور بطيء لكنه ملموس مع مرور الزمن في مهارات وخبرات الشباب في كل العمليات المتعلقة بالإنتاج السينمائي”، وحين تساءل فرعون “هل للسينما السورية مستقبل؟” بقيت إجابته غير واضحة: “عودة الحيوية إلى السينما أمر غير محسوم، وصناعة أفلام قصيرة للمنصات أمر محتمل”، لكن ذلك لم يمنعه من تقديم بعض الاقتراحات حول سينما الشباب، أهمها: “وضع معدّات المؤسسات الرسمية في خدمة المشروع السينمائي ولو بأجور رمزية، والتسويق الفعّال، وإتاحة الفرصة للعرض الجماهيري لها”، وأنهى المخرج هشام فرعون حديثه قائلاً: “لماذا السينما؟ لأنها لغة عالمية، ولأنها هي عابرة للقارات، فالكثيرون مثلاً لم يزوروا الولايات المتحدة ولا يعرفون شيئاً عنها، ومع هذا يرونها على أنها أقوى دولة في العالم لأن أفلامها هي التي تظهر أنها كذلك، فالسينما صوتنا للخارج، والجمهور يتذوّق هذا الفن ولا يوجد فن من دون هدف ورسالة يطرح ويقدم تساؤلات للإجابة عليها”.

ومن النصائح التي وجهها سامر منصور للشباب المشتغلين في السينما: “لا يجوز أن تكون مقولة العمل الفني هي ذاتها مقولة نشرات الأخبار والعمل في نطاق الأيديولوجيات السائدة عبر التاريخ يوقع المشتغلين في أي فن بحالة من الكورالية أي التشابه والنمطية والتكرار المُنفّر للمُتلقي، كما يقود إلى الاستسهال وبالتالي تشويش مفهوم الفن في الوعي الجمعي، لذلك على الفنان أن يذهب أبعد من غيره في سَبر أغوار النفس البشرية والغوص في المشكلات الاجتماعية واستشراف منعكسات الأحداث الكبرى على البُعد النفسي للفرد”، ويتابع قائلاً: “من الضروري مكافحة الأمية الثقافية المتفشية بين الشباب المُقبلين على الاشتغال في الفنون، وهذا واجب على الفنانين الأكبر سنّاً وواجب المؤسسات، كنا نقول إن ما أنتجته الحضارة الأوروبية منوط بحيثياتها التاريخية الاجتماعية والسياسية، واليوم عشنا الحدث والزخم في سورية، لكننا لم ننتج ما يوازي ما أنتجته دولة أوروبية كفرنسا مثلاً بُعيد الحرب العالمية الثانية، هناك ضرورة لوجود دعم ورعاية للسينما الشبابية لأنها لا تعرض فقط مشكلات الشباب وهموهم وتطلعاتهم بل تدلّنا على توجهات الجيل الصاعد، كما تعمل على ردم الهوة بين الأجيال وترصد توجهات المجتمع، ومن خلالها نستطيع أن نعرف البعد الحضاري لأي شعب”.

وللوقوف على بعض التجارب التي تدعم الشباب الطامحين للخوض في غمار الفن السابع تحدث الأستاذ جورج بشارة مدير دار الشبيبة للفنون عن تجربة الدار قائلاً: “الدار مكان وحاضنة شبابية للموهوبين فنياً، وكان الهاجس مدّ يد العون للشباب الراغبين في صناعة الفيلم القصير وتفعيل إمكانيات المواهب لإطلاقها انطلاقاً من الإيمان بدور الصورة، فعندما شُنّت الحرب على سورية كانت الصورة المشوهة هي سلاح العدو، وبالتعاون مع “فريق رؤيا” الذي يقوده المخرج هشام فرعون كنا قادرين على أن نُري العالم كيف يفكر الشباب السوري ضمن إمكانيات محدودة على الصعيد التقني، حيث كانت الدار تقدّم الدعم اللوجستي لهؤلاء ليمارسوا موهبتهم وطموحهم على أرض الواقع من دون معوقات، وقد توجهنا إلى الفيلم القصير انسجاماً مع توجه الشباب اليوم نحو اللقطة السريعة المعبّرة لإيصال الفكرة، وكانت مسؤوليتنا كبيرة في إعداد شباب يطمحون لممارسة ما يحبون، ونحن مستمرون في العمل بطموح كبير، والدار اليوم تستقبل أفلام الشباب من كل المدن السورية، وهي الأفلام التي سيحتضنها “مهرجان نيغاتيف” الذي أقام دورته الأولى عام ٢٠٢٢”.