سورية وإندونيسيا.. آمال بتحقيق واحد مليار دولار في التبادل التجاري
يتراوح عدد أفراد الجالية السورية في إندونيسيا بين 400 إلى 500 فرد كحد أقصى موزعين على جزر إندونيسيا المختلفة، وهناك نحو خمسة أساتذة من حملة شهادة الدكتوراه من السوريين يعملون في تدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية في بعض الجامعات الإسلامية، ومعاهد تعليم اللغة العربية في إندونيسيا. تقدم السفارة السورية في إندونيسيا كافة الخدمات القنصلية والتسهيلات وكذلك في الدول المجاورة استراليا، نيوزلندا، سنغافورة، جزر سليمان، تيمور الشرقية، فاناتو، بابوا غينيا الجديدة، وتيمور الشرقية.
النشاط التجاري
وبخصوص النشاط التجاري بين سورية وإندونيسيا، فإنه قائم منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1952 وأن السفارة السورية في جاكرتا هي من أقدم السفارات السورية في العالم، إذ تم افتتاحها في جاكرتا في العام 1952، وبالتالي فقد مضى على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين 72 عاماً وأنه يجري العمل حالياً على توقيع مذكرات تفاهم للتعاون في المجال التجاري بين البلدين، وخاصةً في مجال تبادل السلع التفضيلية، وكذلك مشروع اتفاق تعاون في مجال مكافحة الإرهاب، إضافة لمشروع اتفاق للإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحملة الجوازات الدبلوماسية والخاصة، وكذلك متابعة بعض المقترحات الأخرى في مجال التعاون الزراعي، الطاقة ، التعليم والتعليم العالي، السياحة .
فالتجارة قائمة بين البلدين منذ عقود، وهناك صلات ثقافية أيضاً حيث يوجد آلاف الطلبة الإندونيسيين الذين تخرجوا من جامعات دمشق الإسلامية الثلاث وذلك عبر العقود الماضية، وأنهم يشكلون اليوم رافداً كبيراً لعمل السفارة، ولتشبيك التعاون في جوانب مختلفة مع المجتمع الإندونيسي. لكن هناك معوقات أمام تعزيز التعاون بين البلدين منها التدابير القسرية والعقوبات والحصار التجاري والاقتصادي والمصرفي المفروض على سورية من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية، إضافة لمعوقات ذاتية تتصل بتقدير السلطات أو المؤسسات الرسمية المختصة في سورية أن بعض السلع والمنتجات القابلة للتصدير أو الاستيراد ليست ذات أولوية في المرحلة الحالية، وذلك في إطار الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشة التي تعاني منها سورية حالياً، وبطبيعة الحال تبقى المؤسسات الرسمية هي الأدرى بالأولويات في هذه المرحلة .
ورغم ذلك تقدم السفارة كافة الخدمات لرجال الأعمال الإندونيسيين والسوريين على حد سواء، والتي تشمل التشبيك مع غرفة التجارة الاندونيسية، ووزارة التجارة، والنقابات والتجمعات ذات الطابع الاستثماري والتجاري، ووزارة الاستثمار وهيئة الاستثمار الاندونيسية، وهيئة المعارض والمؤتمرات الإندونيسية، وكذلك مع الجهات النظيرة في سورية، وذلك بصورة منتظمة، إضافةً إلى اطلاع هذه الهيئات على التشريعات والتسهيلات التي تقدمها الجمهورية العربية السورية في مجال الاستثمار، وبصورة خاصة قانون رقم 18 وتعديلاته لعام 2021.
إن المسافة الجغرافية قد تكون عائقاً أمام تعزيز العلاقات بين البلدين، لكن يمكن القول أن الإعلام العالمي المعادي رسم في الماضي صورة سلبية غير صحيحة عن المناخ العام في سورية، وروج لما يسمى “قانون قيصر” وغيره، ولا أخفيكم القول أنه يفاجئني البعض في إندونيسيا بالسؤال عن سورية، وكأن دمشق ما تزال تحت تهديد الجماعات الإرهابية المسلحة، لكننا نكافح على كل الصُعد ومن خلال كل القنوات المتاحة لتغيير هذه الصورة النمطية المغلوطة، وأؤكد اليوم أنه بدأت تلك المخاوف أو الصور المغلوطة مؤخراً تتلاشى، وهناك بعض رجال الأعمال الإندونيسيين الذين عبّروا لنا عن رغبتهم في الذهاب إلى سورية والاستثمار فيها، وخاصة في أعقاب الاجتماع المشترك لغرفتي التجارة والصناعة الذي عقد في جاكرتا وبصورة افتراضية عام 2022 وضم نحو 80 رجل أعمال من الطرفين، وذلك في مجالات تجارية وصناعية مختلفة .
وحول مستوى أو حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، فقبل الحرب، أي عام 2010 ، كان حجم التبادل التجارة بين سورية وإندونيسيا حوالي 150 مليون دولار، وهذا الرقم قليل بالنظر إلى الإمكانيات والفرص القائمة في البلدين، وكذلك بالنظر والمقارنة مع حجم التبادل التجاري بين إندونيسيا والدول العربية الأخرى. مع ضرورة التنويه إلى أن الأرقام المعلنة قد لا تعكس الواقع في ظل حصول تبادل تجاري بقيم ليست بالقليلة عبر أطراف ثالثة كإعادة تصدير بعض المنتجات سورية (مثل المنتجات الغذائية لشركة الدرة أو حلويات السلطان) إلى إندونيسيا من لبنان أو الأردن أو ماليزيا.
برامج لتطوير العلاقات
لكن ما يلحظ أن تطور وتحسن في العلاقات مؤخراً، وذلك بعد وضع برنامج لتطويرها في مجلات مختلفة، وأكرر أنه يوجد عوائق موضوعية وعوائق غير موضوعية، أما العوائق الموضوعية فتتعلق بالمناخ الدولي والتدابير القسرية والصورة السلبية التي يروجها الإعلام المعادي عن سورية ، أما العوائق غير موضوعية فتتعلق بمدى استعداد أو جاهزية كل طرف لتعزيز العلاقات مع الطرف الآخر في المجلات التي تتوافر فيها فرص عالية للتصدير والاستيراد، فإندونيسيا اليوم دولة صناعية بامتياز، فهي تصنع الطائرات المدنية، وباعت نحو 12 طائرة مؤخراً إلى ليبيا، وهي تصنع عدة أنواع فاخرة من السيارات مثل تويوتا بأنواعها المختلفة، وهي اليوم الدولة رقم 16 بالعالم في صناعة السيارات، كما أنها ستصبح قريباً بلداً رئيسياً لصناعة وتصدير السيارات الكهربائية بحكم أنها تمتلك الاحتياطي العالمي الأكبر من النيكل (ما نسبته 41% من الاحتياط العالمي). وإندونيسيا هي أيضاً المنتج الأول في العالم لكل من زيت النخيل والفحم والأخشاب والأسماك والبهارات، والمنتج الرابع للقهوة، لكن اليوم مع الأسف نحن لا نرى من منتجات إندونيسيا سوى الإندومي وهي السلعة الأقل أهمية في العلاقات بين البلدين، فيما يمكن لسورية أن تصدر لإندونيسيا القطنيات والفواكه والخضروات والفوسفات، والزيتون أو زيت الزيتون الذي يباع في الأسواق الاندونيسية بأسعار باهظة حيث يصل سعر اللتر الواحد إلى 25 دولار، وهو منتج له قيمة عاطفية ودينية وثقافية في المجتمع الاندونيسي إذ يعتبر بمثابة علاج طبي نظراً لذكره في القرآن الكريم، وبالتالي يمكن استثمار تصدير الزيتون وزيته من خلال اهتمام الإندونيسيين بصورة كبيرة جداً بما يسمى بالمنتجات الحلال واقتصاد الشريعة، حيث تعتبر إندونيسيا البلد الأول أو الثاني في العالم في الاستثمار بما يسمى اقتصاد الشريعة، وسوق “المنتجات الحلال” حيث تُقيم معارض سنوية في هذا المجال، ولديها عوائد سنوية تقدر بنحو 10 مليار دولار من تجارة منتجات اقتصاد الشريعة”.
المستقبل يُبشر بالخير
المستقبل يُبشر بخير كبير، وذلك في أعقاب استعادة سورية لمكانتها الطبيعية العربية والدولية والتغلب على العقوبات والحصار والتدابير القسرية الغربية والاستهداف الغربي والإسرائيلي، وإنني أتوقع وآمل وأعتقد جازماً، كما أسلفت، أنه يمكن الارتقاء بمستوى التبادل التجاري بين اندونيسيا وسورية إلى واحد مليار دولار، إذا أُحسن استغلال الإمكانيات المتوافرة لدى الطرفين، وتوفرت الإرادة المشتركة والظروف الملائمة للوصول إلى هذا الرقم.
عبد المنعم عنان
سفير الجمهورية العربية السورية في إندونيسيا