“حول العمل الحزبي وبعض مهامه”
د.عبد اللطيف عمران
هذا عنوان كرّاس أصدرته قيادة الحزب قبل أكثر من عشرين عاماً، يعني قبل غياب المادة الثامنة، وقبل، وقبل.. إلخ، فهل كانت هناك يومها من حاجة إلى إصداره، وقد تجدّدت هذه الحاجة اليوم؟
الحديث في هذا الموضوع مستمر وذو شجون وهو أكثر وأوسع من الكتابات فيه، وذلك لأسباب عديدة منها إن هذا العنوان سؤال ليس جديداً، ولا طارئاً، ولا إجماع في الإجابة عنه، إذ تتباين أيضاً الإجابة وتتنوع وتتعدد بين كوادر الحزب عن سؤال: ماذا تريدون من الحزب؟
إذاً هو سؤال ممتد في الجغرافيا وفي التاريخ، وهو مثار خلاف أكثر مما هو مثار اتفاق لذلك تشكّل لإقراره لجان تصدر بياناً أو تقريراً أو قراراً هو محصلة لتعدد وجهات النظر، وآية ذلك ما نجده مثلاً في كتابي لينين في أوائل القرن الماضي: ما العمل، وأمراض اليسار الطفولي. فالمسألة ليست محصورة فقط بحزب البعث، وإن كان الهدف هو هنا.
فمن المعروف، والذي يكاد يكون الإجماع عليه واضحاً في هذا الاتجاه نحو المراد، أو المطلوب من العمل الحزبي عامة، هو الاتفاق على:
– تنشيط الحياة السياسية في البلاد، وتعزيز بناء المجتمع السياسي الوطني بعيداً عن الهويات والانتماءات ما قبل الوطنية، ونشر الوعي الذي يسهم في تشكيل الرأي العام المتجانس حول القضايا العامة بما يتلاءم مع أفكار الحزب، وبما يخدم استراتيجيته وإيديولوجيته، وكذلك دعم الاستقرار السياسي من خلال القدرة على التأثير في الرأي العام وتوجيهه وقيادته بالإقناع من جهة وبالالتزام من جهة ثانية، إضافة إلى إعداد كوادر، وبناء مؤسسات تمتلك القدرة على القيادة، ومؤهلة للنجاح في تمثيل الحزب في السلطات التشريعية والتنفيذية..، وفي المجتمعين: المدني والأهلي، وفي الثاني منهما مؤشر واضح إلى أهمية التنظيم السكني وتنظيم الأحياء.
– في الواقع يمكن للبعثي، أي بعثي، ومتاح له، أن يسهم بعدة أشكال في إغناء هذا الموضوع، ومن واجب المؤسسات الحزبية أن تستحصد آراء البعثيين، وتطرحها في المؤتمرات السنوية وغيرها، وتطالب المؤسسات الأعلى بإقرارها أو الجواب عنها حين تتلقاها كأسئلة مرسلة أصولاً – كما كنّا -.
– ركّز غير قليل من رفاقنا -مثلاً- على أهمية تطوير الاجتماع الحزبي، وألّا يكون موحّداً، وبقرار مركزي، فجدوله، وغايته، ومضمونه، وزمن دوريته قد يختلف بين قطاع جغرافي، أو مهني وآخر حسب الظروف التي تمر بها البلاد من حيث المواصلات والتواصل، كما أن مضمونه يختلف عند الأكاديميين عما هو عند العمال، وفي مراكز المدن عن الأرياف، وفي بيئة زراعية عن بيئة صناعية، وفي محافظة عن أخرى، وهذا لا يهدّد وحدتي الحزب التنظيمية ولا الفكرية بل العكس، فصدق الإحساس بهموم الناس يعزّز القبول الجماهيري بالحزب وبالحزبيين.
– يرى كثير من رفاقنا أن هناك مستجدات ومتغيرات في الحياة العامة تستدعي تغيراً في العمل الحزبي، وتطوراً فيه على مستوى النظرية والممارسة، فالأدبيات التقليدية التي تصوّر التاريخ النضالي للحزب ولا سيما في القرن الماضي والتي لطالما حفل قسم منها بكلمة أو صفة (مقدّس) لم تعد تجذب الأجيال الطالعة، والتي ترى أن خطط العمل واستراتيجيته يجب أن تكون مرحلية تخص كل دورة حزبية، وهي تختلف بالإنجاز لا بالتكرار عن الدورة التي تليها أو تسبقها، على نحو ما نرى في ما تقرّه اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في كل مؤتمر عام للحزب من حيث إنضاج مشاريع الحزب المستقبلية.
– لايزال يحضر بقوة في اجتماعات البعثيين الجانبان الخدمي، والمطلبي، والتطلّع نحو السلطة التنفيذية تدخّلاً أو طموحاً، دون الاقتناع بأن الحزب يضع السياسات العامة ويشارك في إقرارها، لكنه لا يحل محل الحكومة، وعليه هنا أن يمثل الدور المهم للبنى الفوقية، وحينها تكون السلطة التنفيذية بعد نجاح الحزب في هذا التمثيل هي البنى التحتية، ذلك أسوة بما يقرّه الاقتصاديون الماركسيون من أن البنى التحتية هي وسائل الإنتاج ومستلزماته، والبنى الفوقية هي علاقات الإنتاج.
– في هذا السياق اتضح – ما يبعث على التفاؤل – أن الحزب من جهة، وجماهيره من جهة أخرى هما اليوم أكثر تمسّكاً وتطلّعاً إلى دور فاعل للبعث، وهذا واضح من الإقبال الشديد على الترشّح والانتخاب والاستئناس لمجلس الشعب وقبله لاجتماع اللجنة المركزية الموسّعة، دون أن يتعارض هذا التوجه الديمقراطي للبعثيين مع الانتصار للمركزية الديمقراطية، إذ رأى قسم كبير منهم أن لا ضير في التعيين انطلاقاً من الثقة بقيادتهم، وبالأحرى بقائدهم ربّان السفينة الحكيم والشجاع في بحر متلاطم الأمواج، ليس تهرّباً من تحمّل المسؤولية التي رجّح الرفيق الأمين العام للحزب بدوره تحميلهم المسؤولية بالقسط الأكبر من الديمقراطية دون تغييب للمركزية الديمقراطية في هذه الظروف التي تتطلبها، وهذا ما أشاع مناخاً واعداً للعمل الحزبي في مختلف القطاعات والاتجاهات.
– يتطلّع الجهاز الحزبي اليوم أكثر مما مضى إلى الحاجة إلى إقرار أبجديات تطويرية ألفبائية للنظرية والممارسة، ويرى هذا الجهاز في كلمات الرفيق بشار الأسد الأمين العام للحزب، وفي حوارات سيادته العديدة والمتنوعة مع مختلف الشرائح، عقائدية أو إيديولوجية جديدة من جهة، ومبدئية من جهة أخرى، تؤكد قيمة الثوابت والمتغيرات التي يعيشها الفرد والمجتمع والوطن والأمة والعالم، وهذه الأبجديات والألفبائية رغم الحاجة الماسة إليها، لا يحظى بها المتطلعون إليها ورقياً، ولا تبويباً إلكترونياً مناسباً “قاعدة بيانات”، وهذا حق للمتطلعين لما في هذه الكلمات من عاصم لكوادر حزبنا التي هي عرضةٌ اليوم لمؤثرات عديدة تتحدى بها وسائل التواصل المتجددة وحدتينا التنظيمية والفكرية، ما يتطلب أن يكون خطاب البعثي مدروساً مسبقاً بعناية وموضوعية، وجاذبية أيضاً، وهي درعٌ لفكر البعثي ولعمله: كوادر ومؤسسات وجماهير.