تحقيقاتصحيفة البعث

التغيّر المناخي يطلق صفارة الإنذار.. كوارث طبيعية قادمة تهدد أمننا المائي والغذائي والصحي!

ميادة حسن

ما لا شكّ فيه أن تغيّر المناخ يشكل تهديداً أساسياً لصحة الإنسان والبيئة، فعندما تموت الطبيعة تنعدم خيراتها وتتأثر بشكل مباشر سبل الحياة الطبيعية والبشرية، بسبب خطر الجفاف والتصحر المخيف، مما يؤدي لانعدام الأمن الغذائي والمائي، عدا عن تفشي الأمراض، وحدوث حالات الطوارئ بمختلف أشكالها.

ولأجل مواجهة الخطر البيئي وتقويض تأثيراته على الحجر والبشر تسعى الدول والمنظمات الدولية المختصة بكلّ السبل للتعامل مع تغيّرات المناخ والتخفيف من حدّة خطورتها التي تؤدّي بالنتيجة إلى اختلال في توازن التنوع البيولوجي وعدم الاستقرار البيئي، ولا شكّ أننا لسنا في سورية بمنأى عما يحصل من حولنا، بل تأثرت سورية كثيراً جرّاء التغيّر المناخي، الذي ازداد تواتراً، في السنوات الأخيرة حيث تعرّضت سورية وما زالت لموجات الحر الشديدة والعواصف والأعاصير والفيضانات التي عطّلت الزراعة وأثرت على النظم الغذائية.

مخلفات صناعية 

المهندس باسل كويفي المختص بشؤون البيئة بيّن لـ “البعث” مدى الخطر الكبير الذي تحدثه الغازات المنبعثة من المعامل والمصانع والمعادن الثقيلة المترسبة في التربة والمياه الجوفية، والتي بمجملها تشكّل خطراً مباشراً على صحة الإنسان والمياه الجوفية والبيئة، نظراً لارتفاع أكاسيد الكربون فيها والتي تلعب دوراً سلبياً في الاحتباس الحراري وبالتالي تتسبّب بتغيرات مناخية متعدّدة، كما أن حرائق الغابات والحراج نتيجة الحرارة المرتفعة والجفاف كلها عوامل تساهم في الاحتباس الحراري أيضاً، من خلال تأثيرها على زيادة معدلات التبخر ونقص مياه الأمطار وانحسار المناطق الزراعية، وبالتالي انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني.

كويفي قال: إن الدمار الذي يسبّبه تغيّر المناخ هو بمثابة إنذار خطير يستدعي إغاثة طارئة من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول الإقليمية والعالمية ذات الأهداف المشتركة في حماية البيئة والمناخ، أما في الأمن المائي، فإن الجمع بين العديد من العوامل الطبيعية والكوارث.

وفيما يتعلّق بالوضع في سورية، أوضح أن آثار الحرب في سورية أدّت إلى تفاقم الوضع المناخي، وظهر ذلك جلياً في تدهور الوضع البيئي براً وبحراً وجواً، مشيراً إلى نسب تلوث مخيفة في المياه والهواء فاقت الحدّ العالمي المسموح فيه، وما زاد الطين بلة، هو غياب الإجراءات للحدّ من خطورة التلوث بمختلف أشكاله.

مياه ملوثة

وأضاف: إن التخلّص غير السليم من مياه الصرف الصحي أدّى إلى تخريب الأراضي الزراعية، بل والمصدر الآخر للقلق هو مياه الصرف الزراعية المحمّلة بالأسمدة والمبيدات الحشرية، عدا عن النفايات الصناعية، التي غالباً ما تكون مليئة بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الضارة عند تصريفها بشكل غير صحيح، مما يشكل خطورة كبيرة على مياه الشرب، وتزيد من تلوث التربة عند استخدامها للري وتقلّل من الإنتاجية الزراعية، وبالنتيجة تهديد الأمن الغذائي، والأمن الصحي أيضاً نتيجة انتشار الأمراض الخطيرة، كالسرطان على سبيل المثال لا الحصر.

ثقافة مناخية

وبرأيه أن التغيّر المناخي المخيف سيظل يهدّدنا بالأذى ما لم تتخذ الحكومات إجراءات سريعة لمواجهته، ويقول: من السخف أن يُطلب من البلدان النامية أن تقترض لإصلاح ما تسبّبت فيه البلدان المتقدمة الأخرى، بغياب إشارات واقعية وبرامج تشغيلية حقيقية لمسار مناخي عالمي سليم، وذلك يدعو إلى الحاجة لتسريع مقايضات الديون، وتحفيز العمل المشترك بشأن تخفيف الانبعاثات وتنشيط العمل في تمويل البلدان النامية من خلال صناديق المناخ والاقتصاد الأخضر، وإطلاق برامج ومعايير ملزمة للدول في هذا الصدد من شأنها أن تعالج المناخ العالمي بالكامل، وتقلّل من الهجرة المناخية وتحافظ على مستوى مياه المحيطات، بالإضافة إلى الحاجة إلى “إشراك المجتمع المدني على المستويات المحلية والإقليمية والدولية في برامج المناخ والتواصل فيما بينها ومع المنظمات الدولية التي تعمل على الأهداف نفسها”، وصولاً إلى ثقافة مجتمعية مناخية وتحفيزها ودمجها في مناهج التعليم في جميع المحافظات والمناطق.

جهود حكومية

معاون مدير الأرصاد الجوية محمد بشار عرابي تحدث لـ “البعث” عن الجهود الكبيرة التي تقوم بها المديرية في مراقبة ولحظ التغيّرات المناخية والتنبؤ المبكر، والتعاون مع المؤسّسات الحكومية المختصة بشأن ذلك، بهدف توجيه الإنذار المبكر للطوارئ المناخية، مشيراً إلى حرص المديرية على ربط كامل الأراضي السورية بمعدات حديثة تسجل وتنبّه للتغيرات المحلية المناخية والهطل المطري والرياح والزوابع الرملية، مؤكداً أن وجود الإحصائيات والمعلومات الحكومية الدقيقة يساهم في تحديد الأضرار والمتضررين، سواء من الجفاف وتغيّر المناخ أو جرّاء الكوارث والانبعاث والتلوث، عدا عن مساهمتها في تقديم تقارير تفصيلية عن حجم الأضرار، وبالتالي صعوبة الحصول على دعم صناديق المناخ والاقتصاد الأخضر.

مقترحات جيدة

الدكتور في العلوم البيئية موفق الشيخ علي اقترح وضع استراتيجية واقعية علمية للروزنامة الزراعية في المناطق السورية بحيث تتلاءم مع تغيّر المناخ، إضافة إلى تشجيع الزراعات التي تتأقلم مع الجفاف وتحدّ من استهلاك المياه الجوفية التي أصبحت في خطر نتيجة الاستخدام الجائر وعدم التقيّد بالزراعات والتقنية الموفرة للمياه مما يشكّل أضراراً كبيرة على المياه والأشجار التي من الممكن خسارتها نتيجة الشحّ المائي، كما اقترح الشيخ علي العودة إلى نظم الأحواض السبعة المائية في سورية لتوحيد المعلومات والإمكانيات والقدرات على إدارة الملفات بمرونة أكبر.

هامش

تشير البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى “أن 2 مليار شخص يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة، وأن 600 مليون شخص يعانون من الأمراض المنقولة بالغذاء سنوياً، وتبلغ نسبة الأطفال دون سن الخامسة الذين يموتون بالأمراض المنقولة بالأغذية 30%”.

وبحسب بيانات المنظمة “تعزو الأبحاث الحديثة نسبة 37% من الوفيات المرتبطة بالحرارة إلى تغيّر المناخ الناجم عن النشاط البشري، مشيرة إلى ارتفاع نسبة الوفيات المرتبطة بالحرارة بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً بنسبة 70% خلال عقدين، وتتوقّع المنظمة بشكل متحفظ وقوع 000 250 حالة وفاة إضافية سنوياً بحلول عام 2030 بسبب آثار تغيّر المناخ على أمراض مثل الملاريا والفيضانات الساحلي، وغيرها من كوارث مناخية”.