دراساتصحيفة البعث

المجاعة في غزة امتداد للساديّة الصهيونية وتواطؤ “المجتمع الدولي”

عناية ناصر

تشير التقديرات إلى أن “إسرائيل” أسقطت منذ تشرين الأول من العام الماضي حوالي 70 ألف طن من القنابل على السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة، ليبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين حالياً حوالي 36,550 فلسطينياً، من بينهم أكثر من 15,000 طفل، بالإضافة إلى 10,000 آخرين في عداد المفقودين، الذين يُفترض أنهم ماتوا تحت أنقاض ما تبقى من منازلهم. ومع المجاعة التي تلوح في الأفق في غزة، من المتوقع أن تزداد هذه الأرقام، حيث توقّع التحذير الأخير الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن أكثر من مليون شخص -أكثر من نصف سكان غزة- سيواجهون الموت جوعاً بحلول منتصف تموز من العام الحالي.

يُظهر هذا التحليل الكارثي أنه في غياب تدخل المساعدات الدولية الهادف ووضع حدّ لهذا الهجوم الأخير ضد السكان الفلسطينيين، فإن عدد المدنيين الذين سيموتون بسبب المجاعة القسرية أكبر من عدد الذين يموتون كنتيجة مباشرة للقصف العسكري الإسرائيلي غير المسبوق.

لقد حصلت “إسرائيل” وبدعم من الحلفاء الغربيين، الذين يواصلون إرسال المساعدات العسكرية إلى “إسرائيل” في حين فشلوا في التدخل بشكل هادف وتأمين وقف إطلاق النار، على الضوء الأخضر لفرض المجاعة على السكان الفلسطينيين في غزة.

إن التجويع القسري للسكان المدنيين تكتيك تستخدمه القوى الاستعمارية بشكل روتيني لممارسة الهيمنة على الشعب المستعمر. وبالتالي فإن المجاعة الحالية للسكان المدنيين في غزة تنطوي على العديد من العوامل المتقاطعة، التي ترتبط جميعها بشكل مباشر بالساديّة الإسرائيلية المستمرة منذ عقود المهيمنة على حياة الفلسطينيين وسبل عيشهم.

ومن خلال منع إمدادات المساعدات الإنسانية من دخول قطاع غزة، وفي الوقت نفسه فرض العديد من العقبات البيروقراطية للسيطرة على ما يمكن وما لا يسمح بدخوله، تواصل “إسرائيل” خلق الظروف التي تديم، بل تسرّع، مجاعة الفلسطينيين الذين يعيشون في القطاع، إضافة إلى أن الهجمات على البنية التحتية المدنية في غزة، بما في ذلك الأجهزة اللازمة لتوفير وتوزيع الغذاء على السكان الفلسطينيين، هي تكتيك عسكري إسرائيلي متعمّد، وهنالك الكثير من الأدلة على ذلك. وتتعرّض محطات الصرف الصحي للمياه ومصانع تجهيز الأغذية ومستودعات المساعدات والمخابز ومطاحن الدقيق جميعها للاستهداف بشكل روتيني من خلال القصف العسكري الإسرائيلي. وإلى جانب البنية التحتية، تم أيضاً استهداف المسؤولين عن تقديم المساعدات المنقذة للحياة.

لا يمكن تحليل هذه المجاعة المصطنعة بمعزل عن غيرها، بل يجب النظر إليها في سياق عقود من الممارسات الاستعمارية التي استهدفت الفلسطينيين، في محاولة لمحو وجودهم المادي والتاريخي في فلسطين.

لقد انخرطت “إسرائيل” منذ بدء الحصار على غزة في عام 2007 في سياسة انعدام الأمن الغذائي القسري من خلال سياسات تمييزية بما في ذلك مراقبة بعض المواد الغذائية التي يُسمح أو لا يُسمح بدخولها إلى القطاع. إن حرب الحصار – غير القانونية بموجب القانون الدولي- تعني أن السعرات الحرارية اليومية التي يتناولها الفلسطينيون في غزة تخضع للمراقبة والتحكم من كيان الاحتلال، حيث تصبح المواد الغذائية الأساسية للبقاء على الحياة من الكماليات.

ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة أوكسفام، تزايد انعدام الأمن الغذائي بسرعة خلال هذه الإبادة الجماعية المستمرة، إلى درجة أن متوسط السعرات الحرارية اليومية التي يتناولها الفلسطينيون الذين يعيشون في شمال قطاع غزة قد تقلص إلى 245 سعرة حرارية فقط.

ومع ذلك، فإن أولئك الذين يجوبون شوارع غزة بحثاً عن الطعام اليوم يمكن أن يحصلوا على المساعدات الإنسانية في أقل من خمس عشرة دقيقة، إذا فتحت “إسرائيل” المعابر الحدودية التي أغلقتها عمداً، والتي تقع في بعض الحالات على بعد خمسة كيلومترات فقط. وبالتالي، ليس من المستغرب أن يُتهم كل من رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت من المحكمة الجنائية الدولية، من بين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، باستخدام المجاعة كسلاح في الحرب.

وكان غالانت نفسه هو الذي أوضح بجلاء نية “إسرائيل” تجويع السكان المدنيين الفلسطينيين في تشرين الأول من العام الماضي، عندما أعلن حصاراً كاملاً على غزة وقال: “لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا وقود، كل شيء مغلق. نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرّف وفقاً لذلك”.

يمكن القول: إن المجتمع الدولي، في ظل عدم كفاية المساعدات واستمرار نهج تعامله المعتاد مع حليفته “إسرائيل” التي تتمتع بحماية جيدة، متواطئ في محو الحياة الفلسطينية. ولا بد من الإشارة إلى أن الحلفاء الدوليين، بما في ذلك رئيس الوزراء البريطاني المنتظر ستارمر، سارعوا إلى الإشارة إلى أن لـ”إسرائيل” الحق في الواقع في إيقاف إمدادات المياه عن السكان الفلسطينيين في غزة.

إن قدرة “إسرائيل” على خلق مجاعة تؤدّي إلى تجويع الأطفال بأسرع معدّل تم تسجيله على الإطلاق، بينما تتمتع في الوقت نفسه بالإفلات من العقاب، هي إدانة دامغة للقانون الدولي، كما أن فرض المجاعة على السكان المدنيين الذين تحمّلوا أكثر من ثمانية أشهر من القصف العسكري برعاية الغرب، وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، سيكون من المستحيل إصلاحها، ولذلك يجب أن يكون التدخل الدولي بشكل فوري.