صحيفة البعثمحليات

الدعم النفسي والاجتماعي للعمال

بشير فرزان

أخرجت تداعيات الحرب وغيرها من التحديات الاقتصادية والإنتاجية والمعيشية بيئة العمل من حالة الاستقرار والتوازن إلى حالة من الفوضى والقلق، أو بالأصح الارتياب الدائم من القادم. وطبعاً لا يمكن تحميل وقائع الحرب المسؤولية كاملة عن أضرار بيئة العمل وإصاباتها القاتلة، فهناك أيضاً جانب إداري يتعلّق بكيفية تعاطي الإدارات مع حياة العامل، سواء الإنتاجية أو اليومية بكلّ مؤثراتها المعيشية، هذا إلى جانب الإجراءات التي تتخذ وتجنح نحو صفة تجارب متشظية النتائج، بما يقسح المجال أمام الأجواء السلبية لتخيّم على مواقع العمل، فتصبح بيئة عمل مضطربة غير منتجة أو جاذبة للكفاءات لتكون القطيعة واضحة بين العامل ومؤسسته، وبين الخبرات الوطنية والمنشآت الإنتاجية بكل أصنافها، وخاصة مع تعاظم التحديات التي وضعت العمال في مواجهة الضغوط الكثيرة في بيئة العمل، منها ما يتعلّق بظروف العمل غير المريحة بسبب تأخر إصدار القوانين الناظمة للعمل والمماطلة في اتخاذ قرار جريء في هذا المنحى كتعديلات القانون 50، وهو قانون العاملين الأساسي بكل ما فيه من مواد لتنظيم الواجبات والحقوق؛ وهذه الحال يمكن تعميمها على القطاعين العام والخاص، فهناك أيضاً القانون رقم 17، إصافة إلى أن الكثير من الإدارات غير قادرة على استيعاب ظروف العامل وإدارة العمل بطرق وأساليب إدارية تعتمد العلاقة مع “الأجير”، بكل ما تجسّده هذه الكلمة من أمراض، أما الأسباب الذاتية فيمكن حصرها بأحوال العامل ومعاناته المتعدّدة، وفي مقدّمتها الضائقة الاقتصادية وعدم كفاية الأجر لتلبية المستلزمات الضرورية للحياة، وهذا ما زاد من طلبات الاستقالة.

وسواء أكانت الأسباب ذاتية أو موضوعية، فإنها ولا شكّ تخلق لدى العامل حالة نفسية صعبة تترتب عليها نتائج كثيرة كتغيّبه المتكرّر عن عمله وتدني جودة العمل وكمّيته وإثارة المشاحنات لأبسط الأسباب، ولذلك فإن الرضا الوظيفي والظروف الجيدة في مكان العمل ضرورة لرفع الإنتاجية، كونها تؤثر بأداء العامل وحالته الفسيولوجية والنفسية؛ فضغط الإدارات الكيفي من أبرز الأسباب التي تقود إلى تدني إنتاجية العامل، وهذا ما يتطلّب مجموعة من الخظوات التي من شأنها دعم العامل نفسياً واجتماعياً، ومنها إيجاد وحدات للإرشاد الاجتماعي ضمن المعامل وإقامة دورات وأنشطة ترفيهية للعمال بغية تخفيف الضغوط النفسية التي يتعرّضون لها، إلى جانب منحهم إجازات منتظمة وتوفير مرافق ومستلزمات للراحة أثناء العمل. وهنا لا يمكن تجاهل الدور الذي تقوم به النقابات العمالية ممثلة بالاتحاد العام لنقابات العمال، بما يوفره للعامل من دعم اجتماعي ونفسي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر توفير دور الراحة العمالية بأسعار مخفضة للعمال، وإحياء الحفلات الغنائية والمسرحيات على مسرح الاتحاد العام “وإن توقفت مؤقتاً”، وإيجاد صندوق الدعم الاجتماعي والذي يدعم العمال بمبالغ مالية في الظروف الاجتماعية المختلفة، كالزواج والوفاة والمرض، والاهتمام بجرحى الطبقة العاملة وشهدائها، وذلك بتكريمهم ودعم أسرهم مادياً ومعنوياً، والعناية أيضاً بأبناء العمال وتنميتهم جسدياً وتربوياً من خلال إقامة دورات متنوعة لهم، كدورات السباحة والباليه ودورات الشهادتين الإعدادية والثانوية.

لا شكّ أن البعض سيعتبر الحديث عن الدعم النفسي للعمال ضرباً من الهلوسة النقابية أو  الفزلكة  الإدارية التي لن تجدي نفعاً في هذه الأيام، وأي عمل في هذا المجال لن يكون له تأثير فعلي في تغيير بيئة العمل المحطّمة بالأعباء والهموم والتحديات، في المقابل هناك تأكيد على أن هذا الدعم يمكن أن يستثمر في زيادة الإنتاجية التي تسخر لها الإمكانيات، وهي مطلب وطني قبل أن تكون واجباً عمالياً، ولذلك لا بدّ من خلق بيئة عمل أكثر راحة وهدوءاً واستقراراً للدقع بالعملية الإنتاجية إلى الأمام، وبكلمة أخيرة كلّ ما يقدّم إلى الآن للعامل ليس سوى جزء قليل من الواجب المطلوب تجاه تحسين واقع عمل هذه الشريحة الواسعة التي أخذت على عاتقها الاستمرار بإنتاج أسباب الحياة للمواطن السوري رغم كلّ الظروف الصعبة التي تعيشها إلى جانب باقي شرائح المجتمع.