بحري التركماني بين مؤلفاته ومؤلفات محمد عبد الكريم في دار الأوبرا
ملده شويكاني
“أنا لحبيبي وحبيبي إلي، ياعصفورة بيضا لابقا تسألي” لم تكن بصوت فيروز، إذ أخذ عازف البزق والمؤلف الموسيقي بحري التركماني دور الغناء في الأمسية التي قدّمها في دار الأوبرا بمرافقة الفرقة الموسيقية بإشراف الباحث إدريس مراد.
وقد شغلت موسيقا الرحابنة لأغنيتي فيروز “أنا لحبيبي”، و”سألتك حبيبي” حيزاً رائعاً أضفى جمالية على الأمسية الغنية بمؤلفات بحري التركماني وأمير البزق محمد عبد الكريم، ولاسيما أنه انطلق من مدرسته ويتابع مساره الفني بتطوير إمكانيات آلة البزق، فبعد البحث والتعديل أصبح يعزف على بزق مؤلّف من وترين وثمانٍ وثلاثين علامة موسيقية، والعلامة تعني الربع ما كان يعتمده أمير البزق، بالإضافة إلى أسلوب عزفه الخاص الذي يجمع بين العزف التقني السريع والسريع جداً في مواضع، وبين الألحان الشرقية الرقيقة والطربية، تتخلّلها بعض الجمل اللحنية بامتدادات طويلة، كما تميز بالانتقال من مقام إلى آخر، وجاءت القفلة متنوعة وفي أغلب المقطوعات على شكل متتالية.
وقد أصغى جمهور الأوبرا بشغف إلى توحد التركماني مع آلة البزق ونغماتها التي تتسرّب إلى القلب مباشرة، معتمداً على قوالب موسيقية متعدّدة مثل اللونغا والسماعي والمقطوعة في مؤلفاته الخاصة التي يربط بينها شيء ما يوحي بروح بحري التركماني، الذي قدم هذه الآلة أوركسترالياً بعيداً عن مفهومها الشائع بالموسيقا التراثية والشعبية لأقليات منتشرة في مناطق متعددة في سورية، والتي ارتبطت بشعوب آسيا.
تألفت الفرقة الموسيقية من أغيد منصور- البيانو، وجواد حريتاني- تشيللو، وعلي أحمد- درامز، وعزة حمود- كونترباص، بالإضافة إلى الإيقاع- والبزق الثاني أحمد شتار، لتكون هذه الآلات مرافقة للبزق الذي أخذ دور اللحن الأول ضمن نسيج موسيقي متناغم ومتداخل، ولم يعتمد على دور الصولو للآلات المرافقة كل آلة على حدة، وإنما على دورها المتكامل ضمن الفرقة ككل.
افتُتحت الأمسية بمقطوعة سماعي سالو من مؤلفاته بعزف الفرقة ككل، ومن ثم البزق ليأخذ دور اللحن الأول بمرافقة الكونترباص بالنقر على الوتر وضربات الدرامز، وتتصاعد الألحان مع البيانو والفرقة، يوظّف خلالها التركماني خبرته الممتدة أكثر من أربعة عقود بالعزف التقني واللحن الشرقي بسرعات مختلفة، لتأتي القفلة المتتالية للبزق.
ومن مؤلفاته إلى تانغو نهاوند من مؤلفات محمد عبد الكريم ويحمل هذا المقام الكثير من المشاعر الحزينة والفرحة وينسب إلى مدينة نهاوند الكردية، فتتصاعد ألحان البزق على إيقاع التانغو بمشاركة الفرقة.
أما مقطوعة الزمن الجميل فتستحضر جمالية الموسيقا العربية، لتتغيّر الأجواء من الطرب إلى سرعة العزف التقني بقالب اللونغا بدمج مقطوعته غضب مع لونغا سلطاني يكاه ليورغو.
وعودة إلى إيقاع التانغو عزف تانغو الوفاء لمحمد عبد الكريم المقطوعة التي تبدأ هادئة ثم يتسارع العزف، وزاد من جماليتها صورة البيت الخشبي القديم على الشاشة الدالة على مرور الزمن.
تميّزت مقطوعة نغماتي من مؤلفات بحري التي تعكس ما يدور في الحياة من حزن وفرح وسرعة بالعزف التقني لتركماني مع اللحن الشرقي بتقنية تكرار بعض الجمل الموسيقية. ليعود إلى مؤلفات محمد عبد الكريم بعزف رقصة حب العاطفية بامتدادات الجمل اللحنية الشرقية.
واختُتمت الأمسية بالدمج بين مقطوعة نبض الحياة لتركماني و” سيرينادا -نمط موسيقي لمقطوعة صغيرة- بعنوان أشجار الصنوبر لمحمد عبد الكريم عزفها سابقاً تركماني.
وعلى هامش الأمسية تحدثت “البعث” مع عازف البزق أحمد شتار المرافق للموسيقي والمؤلف بحري التركماني وتلميذه عن أهمية مؤلفات التركماني التي تغني الموسيقا العربية والسورية، وتتجاوز الأربعين عملاً، وأشار إلى اعتماده على قوالب موسيقية متعدّدة بالتأليف مثل السماعي والمقطوعة واللونغا التي تتطلب تكنيكاً سريعاً.
وتوقفت معه حول دور آلة البزق في موسيقا الرحابنة، فعقب بأن الرحابنة كانوا ملحنين وعازفي بزق أدخلوا آلة البزق إلى أغلب ألحانهم وأغنيات فيروز، وعزف معهم مطر محمد.
أما عن خصوصية مؤلفات التركماني فبيّن شتار بأنه يتميّز بخبرة واسعة وتكنيك عالٍ جداً وأذن مصغية ومتأثر بمدرسة محمد عبد الكريم ولاسيما باللونغيات.