لا سقفَ مطلقاً للردّ
طلال ياسر الزعبي
كان واضحاً سماحة السيد حسن نصر الله في حديثه الأسبوع الماضي، عن أن “العدو وسيّده الأميركي يعلمان أنّ شنّ الحرب على لبنان سيحمل تداعياتٍ في المنطقة والإقليم”، وأنه إذا تهوّر العدو الصهيوني ووسّع رقعة المعركة لتشمل الداخل اللبناني، فإنه لن يكون هناك سقفٌ لردّ المقاومة، وسيصبح الردّ مفتوحاً على جميع الاحتمالات.
فالصور التي بثتها طائرة الاستطلاع “الهدهد”، من داخل فلسطين المحتلة، عبّرت بشكل واضح عن أن بنك الأهداف الذي تملكه المقاومة يشمل أهم المواقع العسكرية والأمنية التي كان العدو الصهيوني يعتقد حتى وقت قريب أنها عصيّة على الاستهداف، وأن صواريخ المقاومة عمياء ولا يمكنها الوصول إليها، وبالتالي عليه أن يدرك جيّداً أنّه لن يبقى هناك مكان سالم من صواريخ المقاومة ومُسيّراتها الدقيقة.
المهم في الأمر أن حديثها عن هذه الأهداف، في الوقت الذي كشفت فيه عن أنها ستذهب إلى النهاية إذا ما قرّر الصهاينة توسيع اعتداءاتهم على لبنان، يؤكد أن المقاومة استطاعت أن تفرض معادلاتها في الميدان، حيث إنه يتوجّب على العدو الصهيوني أن يقبل بحرب الاستنزاف على جميع الجبهات، وألا يفكّر بتوسيع نطاقها، لأنه إذ ذاك يكون قد فرض حرباً شاملة تسقط فيها كل المحرّمات وهذا ما يخشاه بالفعل، لأن تهديده باستخدام السلاح النووي مثلاً تقابله قدرة لدى المقاومة على استهداف خزانات الأمونيا ومصانع الكيماويات في الشمال المحتل، فضلاً عن قدرتها على استهداف مفاعل ديمونة، وبالتالي فإن السلاح الذي يهدّد العدو باستخدامه سلاح ذو حدّين، ومن هنا عليه أن يقبل بسير المعركة على هذا النحو مع كل ما يحمله ذلك من تدمير واستنزاف بطيء لقدراته، وذلك أفضل من التسريع في سقوط الكيان عبر حرب شاملة.
وأياً يكن من محاولة أمريكية غربية لتضخيم المخاطر وفرض الحل الدبلوماسي على المقاومة، فإن الجميع يدرك أن المقاومة على جميع جبهات المنطقة اتفقت على سيناريو واضح هو الاستنزاف التدريجي الذي يجعل العدو الصهيوني مضطراً لقبول الصفعات المتتالية دون القدرة على الردّ الواسع، لأنه بذلك يكون قد استدرج حرباً شاملة لا طاقة له ولحلفائه بها، وهذا بالضبط ما صرّح به رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، تشارلز كيو براون، بقوله: إن واشنطن “لن تكون قادرة على الأرجح على مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها في حرب أوسع نطاقاً، كما ساعدتها في التصدّي لوابل الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية في نيسان الماضي”، الأمر الذي يؤكّد أن المقاومة، للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، تفرض على “إسرائيل” أن تتلقّى الصفعات دون أن تكون لها القدرة على توسيع نطاق الردّ، بمعنى أن الكيان الصهيوني دخل في طور التدمير الذاتي لأنه عاجز تماماً عن تشخيص طريقة الردّ.
وهذا الأمر جعل اللواء السابق في جيش الاحتلال إسحاق بريك، يحذّر من أنّ الحرب على لبنان ستعني الانتحار الجماعي لـ “إسرائيل”، بقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير “الأمن” يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي.
بالمحصّلة، يبدو أن المأزق الأمريكي الصهيوني في المنطقة بدأ يتعمّق بشكل واضح، لأن الحل العسكري مستحيل على جميع الجبهات، وخاصة مع صمود المقاومة في غزة، كما أن الحل الدبلوماسي دونه تنازلاتٌ في جميع ملفات المنطقة، فضلاً عن كونه سيثبّت محور المقاومة قوة إقليمية كبرى، الأمر الذي يمكن أن يحدث زلزالاً سياسياً كبيراً داخل الكيان ويسرّع انهياره.