اقتصادصحيفة البعث

صناديق الاستثمار

ورقة بحثية على هامش لقاء السيد الرئيس مع أساتذة الاقتصاد البعثيين

صناديق الاستثمار  MutualFunds

أولاً – الإطارالمفاهيمي

يحتاج الدخول في دنيا الأعمال إلى رأس مال وخبرة عالية في اختيار المشروع الذي يحقق أعلى فائدة، وهذا ما يفتقده العديد من الراغبين في استثمار أموالهم، لذلك جاءت صناديق الاستثمارات كالحل الأفضل لأن أموال هذا الصندوق تدار تحت إدارة وإشراف محترفين ومتخصصين في اختيار الأدوات المالية التي تحقق أكبر عائد.

تعمل هذه الصناديق على جمع كميات كبيرة من الأموال واستثمارها في محافظ استثمارية منوّعة بشكل علمي لتحقيق معدلات عوائد مقبولة خصوصاً لصغار المستثمرين.

تتميز صناديق الاستثمار بالتنويع لاحتوائها أصولاً مالية متنوعة من أسهم ونسدات وأذون خزانة وغيرها، وتوزع إلى وحدات استثمارية لها قيمة صافية (NAV) مما يخفض المخاطر إلى حدودها الدنيا.

كانت البداية الحقيقية لصناديق الاستثمار مع إنشاء أول صندوق استثمار في بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1924 من قبل أساتذة في جامعة هارفارد، ثم توسعت هذه الصناديق وانتشرت بعد ذلك بشكل كبير.

ولصناديق الاستثمار دورها المهم في تنشيط الأسواق المالية جراء عمليات التداول التي تقوم من خلالها ببيع وشراء الأوراق المالية المدرجة، ورفد السوق بالوحدات الاستثمارية التي تصدرها.

إن الاستثمار في الصناديق: يحقق فوائد عديدة للمستثمرين من ناحية والاقتصاد الوطني من ناحية أخرى خصوصاً أنها لا تحتاج إلى مبالغ ضخمة حتى ندخل في مجال الاستثمار، وفيما يلي أهم مزايا صناديق الاستثمار:

– وجود الجهة المتخصصة والمحترفة التي تعمل على إدارتها وإدارة مكوناتها لتحقيق أقصى منفعة للمشاركين فيها وبما يضمن تحقيق مكاسب شبه مؤكدة عند مستويات محددة من المخاطر.

– تنويع محفظة استثماراتها (مكوناتها) بشكل أمثل.

– تخفيض درجة المخاطر المرافقة للعوائد المحققة.

– سهولة المشاركة فيها بمبالغ محدودة وبسيطة نسبياً.

– توفير درجة مناسبة من السيولة التي تهم غالبية المستثمرين فيها، إذ يمكنهم استثمار أموالهم فيها بشراء الكم المناسب من وحدات الاستثمار واسترداد قيمتها السوقية عند الحاجة.

– تدني مستوى تكاليف المعاملات التي يتحملها المستثمرون جراء تداول الأوراق المالية.

– تحقيق المرونة وراحة البال للمستثمرين المشاركين فيها، إذ يمكنهم التنقل فيما بين الصناديق التي تديرها جهة إدارية واحدة دون تحمل أية تكاليف إضافية.

– تنشيط الأسواق المالية.

– المساهمة في تخفيف حدة التضخم.

أنواع صناديق الاستثمار:

تأخذ صناديق الاستثمار أشكالاً متنوعة وفق معايير التصنيف التي يتم اعتمادها:

– وفق هياكل رأسمال الصناديق يمكن تصنيفها إلى:

– صناديق استثمار مفتوحة (OpenEnded) ذات رأس مال متغير يزداد بإصدار وحدات استثمار جديدة وينخفض باسترداد أو إطفاء بعض وحدات الاستثمار وذلك تبعاً لرغبة المستثمرين بالمشاركة في الصندوق أو مغادرته، كما يمكن تصفية هذا النوع من الصناديق في ظل حالات معينة تستدعي القيام بذلك.

– صناديق استثمار مغلقة (Close-Ended) ذات رأس مال ثابت تطرح وحداتها الاستثمارية للاكتتاب العام وتدرج لاحقاً ويتم تداولها في أسواق الأوراق المالية، وعادة ما يكون لها عمر زمني محدد تصفى بنهايته.

– وفق أهداف الصناديق يمكن التمييز بين:

– صناديق دخل تركز مكوناتها على أصول مالية لشركات تواظب على توزيع أرباح.

– صناديق نمو تركز مكوناتها على أصول مالية لشركات تعمل على إعادة استثمار أرباحها من أجل تحقيق نمو وتوسع مستقبلي.

– صناديق دخل ونمو تجمع بين مكونات النوعين السابقين من صناديق الاستثمار.

– صناديق إدارة ضريبية تحقق ميزة تأجيل دفع الضرائب لفترات مستقبلية من خلال الاستثمار في أصول تعود لشركات تجري توزيعات أسهم مجانية بدلاً من توزيع الأرباح بصورة نقدية.

– وفق سياسات الاستثمار فيها، يمكن التمييز بين الأنواع الآتية:

– صناديق استثمار هجومية ذات درجات مخاطر مرتفعة نسبياً.

– صناديق استثمار متحفظة ذات درجات مخاطر غير مرتفعة نسبياً.

– صناديق استثمار متوازنة ذات درجات مخاطر معقولة تجمع بين مكونات النوعين السابقين.

ثانياً – الإطار التشريعي

تمت تهيئة البيئة التشريعية المناسبة لإنشاء صناديق الاستثمار من خلال سن التشريعات اللازمة:

فقد خصص الفصل السادس من قانون سوق الأوراق المالية وتعديلاته الصادر بموجب المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2006 وتعديلاته لصناديق الاستثمار.

أجاز القانون المذكور بموجب المادة رقم 42 إنشاء صناديق استثمار على شكل شركة مساهمة بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على اقتراح هيئة الأوراق والأسواق المالية، بحيث يصدر الصندوق وحدات استثمارية تطرح للاكتتاب العام عن طريق المصارف المرخص لها بذلك.

كما أجازت المادة رقم 53 من القانون المذكور للمصارف وشركات التأمين المرخصة أن تنشىء صناديق استثمار بعد الحصول على موافقة هيئة الأوراق والأسواق المالية.

كما أن المرسوم التشريعي رقم /81/ لعام 2010 القاضي بتأسيس الشركة السورية للاستثمار قد أجاز لها في الفقرة رقم 5 من المادة الرابعة تأسيس أو المساهمة في تأسيس صناديق الاستثمار.

كما بيّن نظام صناديق الاستثمار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء بالقرار رقم /11679/ تاريخ 18/8/2011 ماهية صناديق الاستثمار وأنواعها وأهدافها وآلية الحصول على التراخيص اللازمة لإنشائها.

ثالثاً – العرض والتقييم

تحقق صناديق الاستثمار منافع متعددة للمستثمرين وخاصة ذو المدخرات البسيطة والمحدودة من خلال المزايا المتعددة التي توفرها لهم، حيث تعمل هذه الصناديق على تنويع مكوناتها وفق أحدث الأساليب العلمية المتاحة.

ويشار هنا إلى ضرورة توسيع السوق وزيادة عدد الأصول المالية المتداولة فيه لتحقيق عملية التنويع وتخفيض درجات المخاطر على أدنى مستوى ممكن، إذ أن سوق دمشق للأوراق المالية يتضمن حالياً أسهم 28 شركة مساهمة مدرجة فيه موزعة على عدة قطاعات (15 بنوك، 6 تأمين، 2 خدمات، 1 زراعي، 2 صناعي و2 اتصالات) وعدد من النسدات الحكومية (5 سندات خزينة).

وعلى الصعيد الوطني تعزز هذه الصناديق الجاذبة وتنشط حركة أسواق رأس المال وتجميع المدخرات وتوجيهها الوجهة الصحيحة المنتجة نحو دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

كما أن الانتشار والترويج لصناديق الاستثمار له دور مهم في إذكاء الوعي الاستثماري لدى شريحة واسعة من المواطنين.

ومن المعروف عزوف المستثمرين وأصحاب المدخرات عن استثمارات أو ادخار أموالهم في المصارف أثناء ارتفاع معدلات التضخم وتحولهم نحو استثمارات أكثر ريعية، ومع غياب أدوات الاستثمار المناسبة البديلة يتوجه أغلبهم نحو المضاربة في أسواق العقارات والسيارات أو تحويل أموالهم إلى معادن نفيسة أو غيرها مما تسمح به التشريعات السائدة.

ومع انخفاض درجة الوعي الاستثماري والتخوف من ارتفاع معدلات التضخم وتأثيراتها السلبية على القيمة الحقيقية الصرفية يلجأ الكثير من الأفراد إلى محاكاة سلوك بعض رجال الأعمال والمستثمرين (سلوك القطيع).

وقد بدا واضحاً الانتشار الكبير للمكاتب العقارية ومكاتب تجارة السيارات وتنامي القطاع العقاري المنظم والعشوائي وأسواق السيارات على حساب باقي القطاعات المنتجة الأخرى.

إن نجاح عمل صناديق الاستثمار وتحقيق معدلات عوائد آمنة ومعقولة جرّاء تنويع محافظها الاستثمارية يجذب شريحة واسعة من المستثمرين مما ينشط حركة الأسواق المالية والصناديق نفسها، وبالتالي دعم الشركات التي تطرح أوراقها المالية في السوق وتؤمن لها التمويل المناسب لزيادة استثماراتها وتوسيع أنشطتها، وبالتالي المساهمة في تسريع وتيرة تحقيق أهداف خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتمويل أنشطة وعمليات إعادة الإعمار.

ويمكن لنصاديق الاستثمار كأدوات استثمارية جاذبة للشريحة الأوسع من صغار المستثمرين أن تخفف من حدة التضخم وتضعف معدلاته جراء سحب جزء كبير من السيولة النقدية المتداولة في الأسواق، وبالتالي تخفيض معدات الاستهلاك لصالح الادخار.

رابعاً – المقترحات

انطلاقاً من الضرورة الملحة للتمويل في مرحلة إعادة الإعمار وللمزايا المزدوجة التي تتوفر في تفعيل صناديق الاستثمار، بات إطلاقاً صناديق الاستثمار في البيئة السورية ضرورة ملحة خصوصاً لخاصية التنويع التي تتوفر فيها وما يتبعها من انخفاض في مخاطر الاستثمار فيها. لهذا نرى أنه من الملحّ أن توفر الحكومة الأطر والأسس القانونية التي توضح آلية العمل في هذه الصناديق وتهيئة البيئة الاستثمارية الممناسبة لجذب المستثمرين وتوجيههم نحو الاستثمارات الحقيقية المنتجة وذات الأولوية في الوقت الراهن، والعمل على تنشيطها بما ينعكس بشكل إيجابي على مختلف النواحي الاقتصادية والمعيشية للمواطن من خلال إنتاج مختلف احتياجاته السلعية والخدمية وتشغيل العدد الأكبر من الأيدي العاملة بمختلف فئاتها وأصنافها، وتحقيق الريعية المناسبة على الصعيدين الشخصي والعام.

وفي هذا الإطار يفضل أن يتم العمل على إصدار أدوات دين محلية عامة قصيرة الأجل (أذون خزانة T-bills) بآجال متنوعة وبشكل متواصل ومنتظم لتغذية سوق النقد بالأدوات المناسبة التي تهم جميع المستثمرين وتؤمن لهم مطالب السيولة ومواجهة المخاطر وتحقيق معدلات عائد مقبولة على المدى القصير، وتوجيه حصيلة بيع هذه الأدوات قليلة التكلفة لتمويل عمليات الإنفاق الاستثماري الحكومي مما يدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية قدماً نحو الأمام.

وفي سبيل تحقيق ما تقدم والعمل على تنشيط الأسواق المالية عموماً وأسواق رأس المال على وجه الخصوص وما لذلك من انعكاسات إيجابية على النشاط الاقتصادي والوضع الاجتماعي وبالتالي على الاقتصاد القومي ككل، لا بد من:

1- تحفيز الشركات العائلية والخاصة على التحول إلى شركات مساهمة يتم إدراجها في سوق الأوراق المالية المحلي، وذلك من خلال تقديم مزايا متنوعة تدفع بملاك مثل هذه الشركات إلى تحويل الشكل القانوني لشركاتهم للاستفادة من المزايا التي تقدم لهم.

2- إنشاء العديد من صناديق الاستثمار المتنوعة الأشكال والتي تناسب مختلف رغبات المستثمرين بشكل مستقل أو من خلال المصارف العامة وإسناد إدارتها لمتخصصين وذوي خبرة في المجالات المالية والاستثمارية.

3- تشجيع كبار المستثمرين وأصحاب الرساميل وتحفيزهم على ترخيص وإنشاء صناديق استثمار خاصة يتم تداول وحداتها الاستثمارية عن طريق الصناديق (صناديق مفتوحة) ومن خلال سوق الأوراق المالية (صناديق مغلقة).

4- دراسة طرق وأساليب التحفيز المناسبة لجذب رؤوس الأموال المحلية والمهاجرة وتوجيهها نحو إنشاء صناديق استثمار أو الاستثمار فيها وبأدواتها، ولحظ ذلك في التشريعات الضريبية المعمول بها وآليات العمل المصرفي والحريات المالية.

5- التوسع في طرح سندات حكومية بآجال طويلة متنوعة كأدوات لدعم وتنشيط أسواق رأس المال وصناديق الاستثمار من جهة، ولجمع المدخرات المحلية وتوظيفها في تمويل عملية إعادة الإعمار بعد الحرب الكونية الظالمة التي تعرضت لها البلاد.

6- العمل على طرح أدوات دين حكومية قصيرة الأجل متنوعة والمحافظة على إصدارها بشكل منتظم ودائم مما يحقق استقراراً في سوق النقد ويلبي احتياجات الانفاق الاستثماري الحكومي لفترات طويلة دون الحاجة لردّ الدين المحلي على المدى المنظور.

7- الإسراع في تفعيل منظومة الدفع الالكتروني وتوسيع نطاق عملها لتشمل معظم الأنشطة والتعاملات المالية، مما يسهل تنفيذ السياستين المالية والنقدية والعمليات الرقابية ذات الصلة، ويشجع أصحاب الفوائض المالية على توجيه أموالهم ومدخراتهم نحو استثمارات منتجة تخلق قيماً مضافة بدلاً من اكتناز تلك الأموال أو توظيفها في مضاربات أو استثمارات غير مجدية على الصعيد الوطني.

إعداد الفريق الاقتصادي من أساتذة الاقتصاد البعثيين في جامعة تشرين “كلية الاقتصاد” 

أ.د. عفيف يوسف حيدر  عميد كلية الاقتصاد 

أ.د. نهاد إلياس نادر رئيس قسم إدارة الأعمال

أ.د. منذر عبد الكريم مرهج أستاذ في قسم إدارة الأعمال