خيارات غربية متطرّفة
بشار محي الدين المحمد
تعيش ضفتا الأطلسي نوعاً من الانقسام، وتناقض بين إرادة الشعب الأوروبي وإرادة طغمه الحاكمة المرتهنة لأمريكا، بل حتى بتنا نلمس بوضوح التفافاً على صعود اليمين كشكل من احتجاج المواطن الأوروبي الغائص في أزمات نقص الطاقة والركود التضخمي والهجرة.
لقد أثر ذلك بشكل واضح على خيارات القارة العجوز فيما تقبل عليه من استحقاقات، مثل تعيينات الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، إذ كانت الخيارات تقع للأسف على مجموعة أشخاص هم الأكثر تطرّفاً ضدّ القضايا العالمية الساخنة وفي طليعتها العلاقة مع روسيا، وحقوق الشعب الفلسطيني، وليس انتهاءً بالتوتر في آسيا- الهادي، والأنكى من ذلك أن هذه الخيارات تعارض إرادة الشعب الأوروبي الذي ما زال يتظاهر ضدّ لاإنسانية ساسته في غزة وأوكرانيا حتى اللحظة.. فالمهم هو تمرير قرارات آلة الحقد الأنغلوساكسونية وسردياتها الإعلامية المنفصلة عن الواقع في الغرب قبل الشرق.
فقد تم الإبقاء على أورسولا فوندرلاين لرئاسة المفوضية الأوروبية لفترة ثانية رغم معارضة اليمين، ولا سيما الإيطالي بقيادة جورجيا ميلوني، وفيكتور أوربان الذي وصف الإبقاء عليها بـ “الصفقة المعيبة”، كما أنه ورغم تقديم وعد لليمين الأوروبي بتعيين ميلوني نائباً لرئيسة الاتحاد الأوروبي نلاحظ أنه تم الإخلال بالاتفاق وتعيين كايا كالاس رئيسة وزراء إستونيا بدلاً منها، كونها الأكثر عداءً لروسيا والقضية الفلسطينية على حدّ سواء.. فالمهم هو إقصاء أصوات الاحتجاج أينما سمعت مثل أوربان الذي كان داعماً للمعاناة الفلسطينية إلى حدّ ما.
أما رئيس وزراء البرتغال كوستا المنتهية ولايته والمنبوذ شعبياً بعد مجموعة من قضايا الفساد بحقه وأفراد عائلته، فقد وجد ساسة الاتحاد الأوروبي ضالتهم فيه، وخاصةً أنه يدعم “إسرائيل” إلى أقصى حدّ مع حزبه.
وعموماً نلاحظ مدى الانحياز نحو “إسرائيل” وادعاء “الخطر” وحق “الدفاع عن النفس” دون مبرّر في أوائل خطوات هذا الاتحاد المسارعة لتضخيم قضية قبرص التي صرّح رئيسها بأنه لا يريد الاشتراك في أي حرب ضدّ لبنان- رغم مساعدة بلاده جيش الاحتلال في التدريب على تضاريس وقواعد قبرص- في محاولة لشيطنة لبنان وقوى المقاومة الوطنية فيه، أو ربما التمهيد لتقديم التغطية والشرعية لأي عدوان أو حماقة إسرائيلية تجاه الجبهة اللبنانية.
وعلى صعيد الـ”ناتو”، فقد تم تسليم أمانته لرئيس الوزراء الهولندي المنتهية ولايته مارك روتيه؛ كونه شخص مصمم على الدعم اللامتناهي لنظام كييف ضدّ روسيا كميزة أساسية له في نظر ساسة الحلف.
إن هذه الغرابة لا تعبّر إلا عن رسائل وهمية تريد طغم الغرب توجيهها للإيحاء لشعوبهم والعالم أجمع بأن قرار أوروبا ما زال موحداً- رغم العجز عن جمع العديد من أطرافها على قضايا متنوعة- وأن نظرتها ما زالت ثابتة في “إلحاق الهزيمة بروسيا” ومساندة أعتى أجنحة الصهيونية العالمية في الشرق الأوسط مهما كانت على باطل.