رأيصحيفة البعث

بايدن – ترامب.. نذر انحدار إمبراطورية

أحمد حسن      

ربما كانت أهم نتيجة للمناظرة الرئاسية الأولى للسباق الجديد نحو “البيت الأسود” هي إفصاحها العلني عن صورة أمريكا الحالية والقادمة، فإذا كانت المناظرة قد “رفّعت” الرئيس الحالي جو بايدن من حامل لقب “جو النعسان” إلى حامل لقب “جو الخرف”، وأفصحت عن مزيد من المزايا “البلطجية” التي يتميّز بها منافسه، الرئيس السابق دونالد ترامب، إلّا أنها، وهذا الأهم، بدت – أي المناظرة – كواحد من المشاهد الأخيرة لفيلم هوليوودي يتحدث عن مراحل انهيار إمبراطورية.

بيد أنه من المهم التأكيد بداية على أن ما يحصل هو نذر انهيار قادم لكنه لن يحصل بين ليلة وضحاها، وبالتالي لا يمكن بناء سياسات قصيرة أو متوسطة الأمد عليه، وحتى اكتمال وقائعه فإن واشنطن ستكون كالنمر الجريح، وهو ما يكون في أخطر وأشرس حالاته في هذه المرحلة، كما من المهم التأكيد أيضاً على أن بايدن وترامب لا يمثلان نفسيهما هنا – على الرغم من أهمية الشخصية في التحليل النهائي لما يحصل – بقدر ما يمثلان وضع النخبة الأمريكية الحائرة بين “الخرف” و”البلطجي” في هذه اللحظة من عمر روما العصور الحديثة.

بمعنى آخر، يمكن القول إن “الترامبية” فعلياً، ومقابلها “البايدينية” تجاوزاً، هما صورة ونتاج طبيعي، في الآن ذاته، للمرحلة الحالية التي تمرّ بها أمريكا، وعلى صورة حال البلاد، بدت المناظرة الرئاسية بينهما: مناظرة مأزومة وعبثية لبلاد مأزومة، فـ “ترامب” الذي يبدو – بحسب نعوم تشومسكي – “أكثر من مهرّج وأقّل من مريضٍ نفسانيٍّ” هو الأكثر تعبيراً عن مأزق حزب كبير كالحزب الجمهوري، فيما “جو النعسان” و”الخرف” أيضاً، يبدو الأكثر تعبيراً عن مأزق حزب كبير آخر هو الحزب الديمقراطي، ومن مأزقين متضادين لا يمكن إلّا توالد مآزق أخرى في اتجاه الانحدار الكامل.

هنا، بالضبط، يبدو أن الإمبراطورية تواجه قدرها، فحزباها الرئيسيان وصلا، على ما يبدو، إلى سقف القدرة على الفعل، وبالتالي احتواء الأزمات وتقديم الأفضل للمنصب الأول في البلاد، فإذا كان ترامب، ومرة جديدة بصفته “الترامبية”، أكثر من شخصه، دافعاً مهماً للتشجيع على كل أشكال الصراع والتصدّع داخل المجتمع الأمريكي، عبر تعميقه الاستقطابات العنيفة بين التيارات العنصرية البيضاء، وبين باقي الفئات الاجتماعية، فإن بايدن لم يستطع أن يجد حلاً لها، بل لم يكن سوى مجرّد ردّ فعل باهت عليها، وتلك علامة بالغة الدلالة للقول، بكل ثقة، إن الإثنين ليسا إلا صورة أمريكا اليوم، أمريكا التي تعاني من تراجع ملحوظ في هيبة القوة سببه الرئيس تراجعها في الصراع والسباق العالمي على “الماء والكلأ” والنفط، والتكنولوجيا وهي الأهم والأخطر حالياً، واصطدامها بعقبات عالمية جدّية من قبيل الصين وروسيا والقوى الإقليمية الأخرى التي بدأت تتفلّت من تبعات الاستتباع الأمريكي باحثة عن مصالحها الخاصة، وتلك، بمجملها، ملامح “رومانية” صرفة، نسبة لطريق الانحدار الإمبراطوري الروماني.

خلاصة القول.. صحيفة “نيويورك تايمز” التي طالبت في مقال لهيئة تحريرها مجتمعة، وهذا مؤشر هام جداً، باستبدال بايدن باعتبار أنه منخرط الآن في “مقامرة متهورة”، وأن “هناك قادة ديمقراطيين مجهزين بشكل أفضل لتقديم بدائل واضحة ومقنعة وحيوية أمام فرضية فترة رئاسية ثانية لترامب”، مؤكدة بأنه “لا يوجد سبب يدعو الحزب للمخاطرة باستقرار وأمن البلاد من خلال إجبار الناخبين على الاختيار بين أوجه القصور في السيد ترامب وأوجه القصور في السيد بايدن”، تجاهلت – أي الصحيفة – أن “المقامرة” هي أسلوب حياة هناك، وأن “القصور” ليس في الرجلين فقط، فسواءً جاء ترامب أم بايدن أم بديل آخر لهما، فإن الثقب يتسع في السفينة، وحتى “التايتانيك” لم تنج من الغرق.