هل يمكن إعادة النظر في قوننة الإجهاض.. في حالاتٍ خاصة؟
دمشق – لينا عدره
بكثيرٍ من السرية وبهمسٍ متعمّد، يتمّ الحديث عن موضوع الإجهاض بين مختلف شرائح المجتمع، وتحديداً النساء، فنتيجةً لتردي الأوضاع الاقتصادية كسببٍ رئيسي، تفكر نسبة لا بأس بها من السيدات الحوامل بإجراء عمليات إجهاض، رغم علمهن المسبق بموقف القانون الحازم من تلك العمليات، فيما يرى أطباء بأن إجراء الإجهاض “ضروري ولا بدّ منه”، ولكن “فقط في حالاتٍ معيّنة وخاصة جداً”، كتلك المتعلقة بالتشوهات الخلقية التي يتمّ اكتشافها أثناء الفحوصات التي تجريها الحامل في أشهر الحمل الأولى للاطمئنان على حملها، والتي لا تتماشى مع الحياة، حيث تؤدي تلك الحالات المرضية لاستنزاف هائل للطاقات البشرية والمادية والطبية، وقبل كل ذلك تحوُّل حياة الطفل المريض إلى جحيم بسبب نمط حياته المؤذي لذاته أولاً وللأهل ثانياً، فما هو موقف القانون من تلك العمليات، وهل هناك حالات خاصة يسمح بها القانون بإجراء هذا النوع من العمليات؟ وخاصةً مع رغبة شديدة من الأطباء بإعادة النظر بموضوع قوننة الإجهاض بما يتعلق بتلك الحالات.
الدكتور هيثم عباسي، الاختصاصي بالأمراض النسائية ومعالجة العقم، بيَّن أن هناك فرقاً بين الإسقاط المتمثل بموت أو خروج محصول الحمل، بوزن دون 500 غرام، وبين الإجهاض، سواء أكان طبياً أم جنائياً، موضحاً أن الإجهاض الطبي هو إنهاء الحمل للحفاظ على سلامة الأم في حالات معينة كالعلاج الكيمائي والآفات القلبية بدرجات متقدمة، أو إصابة الأم بالحصبة الألمانية والتشوّهات الجنينية المطلقة (ضياع نسيج دماغي، قيلة دماغية عرطلة، انعدام جمجمة، حبن شديد مع استسقاء دماغي، موت الجنين)، لتنحصر الأسباب المتبقية – وفق ما بيّنه عباسي – بالاستطباب النسبي كـ “المنغوليا، قيلة للنخاع الشوكي، قيلة للأمعاء) إضافة لإمكانية إنهاء الحمل في حال النزف في الأشهر الحملية الأولى، بسبب إسقاط غير تام أو إسقاط بطور الحصول.
غير أن الإجهاض يكون جنائياً – وفق ما يؤكد عباسي – عند انعدام الرغبة باستمرار الحمل، وهنا تتنوّع وتختلف الأسباب، حيث تأتي الأخطاء الناجمة عن علاقات عابرة على رأس تلك الأسباب، إضافةً للنواحي المادية أو لكثرة الأطفال، منوهاً بأن إجراء تقييم يوضح ازدياد وارتفاع عمليات الإجهاض أمر صعب لعدم وجود عملية إحصائية لا للإجهاض الجنائي ولا الطبي، مشدداً على أهمية نشر الوعي والتنبيه، نتيجة حدوث اختلاطات تمنع الحمل مستقبلاً، بعد الإجهاض في بعض الأحيان.
أما عن رأي القانون، يبيّن المحامي منيب هائل اليوسفي أن جريمة الإجهاض تعتبر من الجرائم القصدية التي عاقب عليها القانون السوري، مؤكداً أن القانون السوري وقف موقفاً حاسماً من موضوع الإجهاض، فهو لا يفرّق بين الشروع بالإجهاض وبين إنجازه، لافتاً إلى أن قانون العقوبات السوري لا يفرّق بين الإجهاض في بدء الحمل أو نهايته، وبمعنى أدقّ – يوضح اليوسفي – نرى قوانين في بلاد العالم تعاقب على الإجهاض بعد الشهر الثاني أو الثالث، بينما القانون السوري يعاقب على الإجهاض في بدء الحمل أو في نهايته، بل إنه ذهب أبعد من ذلك وعاقب على اقتناء أو ترويج وتسهيل استعمال وسائل الإجهاض، أو بيع أو حتى عرض مواد معدة لإحداث الإجهاض للبيع، منوهاً بما تضمنه قانون العقوبات السوري من أسباب تشديد وتخفيف، يُستَفاد فيها من العذر المخفّف في حالاتٍ معينة، ومثال على ذلك المرأة التي تجهض نفسها “مُحَافَظةً على شرفها”، إضافةً لمن ارتكب جرائم الإجهاض للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية.. وهنا يشدّد اليوسفي على العذر المخفّف وليس العذر المُحلّ، فهو يُعاقب ولكن تكون العقوبة مُخفّفة، أما عن أسباب التشديد، فيبيّن اليوسفي أن العقوبة تكون مشدّدة إذا ارتكب الفعل طبيب أو جراح أو قابلة أو صيدلاني أو أحد مستخدميهم، سواء أكانوا فاعلين أم محرضين أو متدخلين، وتشمل العقوبة مَن اعتاد على بيع العقاقير أو الوسائل المساعدة على الإجهاض، مشيراً إلى أن جرم الاعتياد هنا يعتبر من الجرائم المشدّدة للعقوبة.
ويوضح اليوسفي أن القانون عاقب أيضاً المرأة التي تجهض نفسها، بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها، بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، لافتاً إلى أن العقوبة تُشدّد إذا أفضى الفعل إلى الموت، فيما قد تصل العقوبة إلى السجن من أربع إلى سبع سنوات حسب المواد 528، مؤكداً أن القانون السوري اعتبر جرائم الإجهاض من الجرائم التي تمسّ الدين والأسرة، لما لتلك الجرائم من آثار سيئة على الأسرة والمجتمع وانتهاك لمحرمات دينية.
أما عن الإجهاض العلاجي وموقف القانون السوري منه، فيوضح اليوسفي أن هذا النوع من الإجهاض يعطي سبباً مبيحاً ولا يُعَاقب عليه، خاصةً وأن من يُقدِّر ضرورة إجرائه هم الأطباء المختصون، كون هدفه الرئيسي إنقاذ حياة المرأة الحامل، مع إجرائه وفق أصول طبية وبرضا المرأة أو من يمثلها “وكيلها الشرعي”، فهو لا يُعدّ جريمة لتوفر أحد أسباب التبرير التي نصّ عليها القانون، مع تشديده على أن إجراء هذا النوع من الإجهاض يكون ضمن أصول طبية وبموجب خبرة طبية تُوقع من أكثر من ثلاثة أطباء يقرّون بأن استمرار الحمل بالنسبة للمرأة يهدّد حياتها وبالتالي يبيح في هذه الحالة الإجهاض.
أما بالنسبة للعقوبات فيوضح اليوسفي أنها تصل إلى خمس سنوات على الأقل لمن تسبّب عن قصد بإجهاض امرأة دون رضاها، فيما لا تنقص العقوبة عن عشر سنوات بالسجن إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل المستعملة إلى موت المرأة، فيما يُعَاقب بالسجن من ست إلى ثلاث سنوات من أقدم بأي وسيلة كانت على إجهاض امرأة أو محاولة لإجهاضها برضاها، منوهاً بأن العقوبة تتراوح مابين أربع إلى سبع سنوات، إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة، فيما تكون العقوبة من خمس إلى عشر سنوات، إذا تسبّب الموت عن وسائل أشد خطراً من الوسائل التي رضيت بها المرأة.