دراساتصحيفة البعث

سجل فرنسا المعادي للإنسانية

د. معن منيف سليمان

احتلت فرنسا عشرات البلدان في إفريقيا وجنوب شرق آسيا ومنطقة المحيطات الهادي والأطلسي والهندي وأمريكا اللاتينية، ونهبت ثرواتها واستعبدت شعوبها لسنوات طويلة، وارتكبت العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فأبادت مئات الآلاف من المدنيين لأسباب عرقية ودينية، وشاركت في تجارة الرقيق، وهي واحدة من أبشع الصفات المخزية للإنسانية.

ففي سورية، ارتكبت القوات الفرنسية المحتلة خلال احتلالها للبلاد الذي دام ٢٦ عاماً، أبشع الجرائم ضد الإنسانية، عندما قصفت الأحياء السكنية والمنازل فوق رؤوس سكانها، وكانت مجزرة البرلمان أقبح صورها، وأعدمت الثوار وقطعت رؤوسهم، وهجّرت السكان من قراهم ومدنهم.

وفي الجزائر، ارتكبت القوات الفرنسية جرائم بحق الشعب الجزائري خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر بين عامي (١٨٣٠ – ١٩٦٢) من بينها عمليات طمس للهوية العربية ونهب الثروات وتعذيب وقتل السكان وإجراء تجارب نووية على الأراضي الجزائرية، وبلغت بشاعة الإجرام الفرنسي عندما أرسل الجيش الفرنسي المحتل جماجم قادة الثورات الجزائرية بعد إعدامهم إلى “متحف الإنسان” في باريس، ومع اندلاع الثورة الجزائرية عام ١٩٥٤، قتل الفرنسيون أكثر من مليون ونصف المليون جزائري حتى باتت الجزائر تعرف ببلد المليون شهيد. وقد مارس الفرنسيون أبشع أنواع التعذيب ضد الجزائريين، كان أفظعها إلقاء المعتقلين من الطائرات.

وقتل الجنود الفرنسيون عدة ملايين من الأبرياء بمن فيهم النساء والأطفال في كل من المغرب وتونس وجيبوتي وجزر القمر.

وفي القارة السوداء أيضاً، ارتكبت فرنسا جرائم ضد الإنسانية في كل من مالي ونيجيريا وتشاد والسنغال وبنين وساحل العاج وجمهورية إفريقيا الوسطى والغابون وتوغو والكاميرون، وفي مدغشقر ارتكبت مذبحة رهيبة ضد الأبرياء في عام ١٩٤٧.

وتعدّ فرنسا مسؤولة إلى حدّ كبير عن مقتل أكثر من ٨٠٠ ألف شخص من أفراد شعب التوتسي في رواندا عام ١٩٩٤، حيث أشارت العديد من التقارير إلى تورّط فرنسا في هذه الإبادة الجماعية من خلال تقديم الدعم العسكري لمنفّذي المجزرة وإرسالها المقاتلين المرتزقة إلى رواندا للمشاركة في هذه المجزرة المروّعة.

ولم تقتصر الجرائم الفرنسية ضد الإنسانية فقط على بلدان إفريقيا والبلاد العربية، بل امتدّت إلى مناطق أخرى حول العالم، حيث وصلت شرورها إلى الفيتنام في جنوب شرق قارة آسيا وارتكبت هناك جرائم لا تقل وحشية عمّا ارتكبته في إفريقيا.

وفي أمريكا اللاتينية حوّلت فرنسا دولة غوايانا إلى منفى للمعارضين، ومركزاً لتعذيب العبيد.

ويعدّ “متحف الإنسان”، الذي أسس عام ١٩٣٧، ضرباً من الافتخار بتاريخ فرنسا الأسود، ويحتوي آلاف الجماجم التي قتل أصحابها بيد الفرنسيين، وهو أكبر شاهد على الإجرام الفرنسي ضد الإنسانية.

إن فرنسا التي تمتلك سجلاً أسود من الجرائم ضد الإنسانية، لا يحق لها أن تنصّب نفسها قاضياً مدافعاً عن سلامة الإنسان، فرؤساؤها وقادتها العسكريون أولى بالاعتقال والمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهي لا تملك أيّ سند قانوني يخوّلها إصدار مذكرة اعتقال بحق أي مواطن سوري يعيش على الأراضي السورية، ذلك أن عصر الوصاية والانتداب قد ولّى إلى غير رجعة، ولا يزال السوريون يتذكّرون يوم الجلاء وخروج آخر جندي فرنسي من بلادهم، ومن يومها وهم يقدّمون التضحيات من أجل حرية هذه الأرض ويناضلون في سبيل الحفاظ على استقلالها وسيادتها الوطنية.