ثقافةصحيفة البعث

“مغلق”.. الحرب وانعكاساتها كما ترويها رنا العسلي

أمينة عباس

لا يكاد يمرّ أسبوع في حياتنا الثقافية إلا ويشهد الوسط الأدبي ولادة مُنتَج أدبي إبداعي يحرص أصحابه على الاحتفاء فيه بحضور الزملاء والإعلاميين والنقاد، وهذا ما كان في حفل توقيع الروائية رنا العسلي لروايتها “مغلق” والذي أقيم، مساء أمس، بالمركز الثقافي العربي في “أبو رمانة”. يقول الأستاذ رياض طبرة عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتّاب العرب الذي شارك في الندوة التي سبقت الحفل: “الاحتفاء بالمُنتَج الأدبي احتفاء شديد الخصوصية لأنه يتعلق بالإبداع، لذلك يحرص الجميع على مشاركة الكاتب في فرح إنجازه”، ورداً على بعض منتقدي الندوات التي تسبق حفل التوقيع من حيث كونها تحابي الكاتب وتبتعد عن النقد الجادّ يحدثنا طبرة: “ليس مناسباً في ندوة الاحتفاء تصيّد الأخطاء والإشارة إلى ما عجز عنه الكاتب، فغاية هكذا ندوات ليست النقد، إنما الإشارة إلى ما أُنجز والتعريف به وبصاحبه”.

وفي حديثه عن الرواية توقف طبرة ملياً عند عنوانها “مغلق” الذي بدا له أنه متعمّد من قبل الكاتبة قائلاً: “الأديب إما أن يقدم من خلال العنوان نفسه أو يتخفى خلفه، وعنوان الرواية إشكالي ومفتوح على أكثر من احتمال، ولا أخفي أنني تساءلتُ في بداية قراءة الرواية من هو المغلق؟ وما هو المغلق؟ كما لمستُ حضور الشعر والنثر فيها، وهو أمر قد لا يروق للنقّاد التقليديين الذين يرون أن لكل جنس شكله الخاص، في حين كانت مساحة العسلي في روايتها مفتوحة على العديد من الأجناس الأدبية لتحلّق وتعبّر من خلالها عن آرائها وأفكارها، فقدمت حياة متكاملة جمعت فيها مجموعة من الفنون ليكون العنوان المغلق مفتوحاً على كل الاحتمالات”.

وهذا ما أيّدته أيضاً الكاتبة رندا العاذر في قراءتها الجمالية للرواية: “توقفتُ عند عنوان الرواية الذي يحمل معاني كثيرة ويحتمل تأويلات أكثر تأخذ بالمخيلة إلى مداها الأبعد، فالكاتبة هنا استخدمتها للانطلاق في رحلتها مع بطلَي الرواية سالم ووردة، وجعلتها أداة تعبير لعودة الروح إلى الجسد البائس وخوض معترك الحياة إلى النهاية، فتسلسلت بمجريات روايتها بطريقة مشوقة زرعت غراس أحداثها بين المفردات، وتنقلت بين محطات آلام وأفراح وأحزان الشخصيات، وصولاً إلى النهاية التي تكللت بزواج الشابين وولادة طفلهما ونجاحات سالم الأدبية، وقد أخذت الكاتبة بأيدينا لنعبر معها إلى متاهات المنطقة التي رسمتها الحرب وصوّرت لنا دهاليز ظلمتها، فكان تصويرها للمشاهد مؤثراً، كما تطرقت إلى مفرزات الحرب التي خلّفت مآسي وشروخاً في البشر كما الحجر”.

واستوقفت العاذر جُمَلُ كانت الكاتبة قد صبّتها في قوالب من صنيعها بتراكيب قوية مؤثرة في النفس يحسها المرهف وروحها الرقيقة التي انعكست بشكل جليّ على جملها مثل “تلك الأحلام التي تسترق نظرة إلى الفجر هي أصدق ما في خيالنا المسافر”، وجملة “أن تكون صامداً يعني أن ترسم لوجهك مئة بسمة”، فكأني بها ترسم لنا طريق الصمود أمام عثرات ونكبات الحياة التي لخصتها ابتسامة”.

وأنهت العاذر قراءتها بما استهلته الكاتبة عندما أهدت روايتها إلى والدتها الراحلة حين كتبت: “مهداة إلى روح والدتي التي غادرتني وجعلت من روحي وجعاً لن تشفيه الأيام.. يدها التي وضعتني على أولى درجات الكتابة، حبّها الذي جعلني واثقة من خطواتي معتدّة بنفسي”.

ووصفت الشاعرة ميرال الشحنة القادمة من حلب الرواية قائلة: “إنها رواية من العيار المتوازن نفسياً وعاطفياً، وهي من الروايات القليلة جداً التي تركت تأثيراً في نفسي، وقد لفتت انتباهي دقة رسم الكاتبة لشخصياتها التي يحكم معظمها الموروث المتخلّف في فترة أخرجت فيها الحرب براثنها فأمسكت الكاتبة بيد بطل الرواية الذي عانى ما عاناه نتيجة ظروفه الاجتماعية وظروف الحرب لتجعله في النهاية يعيش الحب ويعوّض ما فاته من فرح وسعادة، ويبقى أبرز ما يميز هذه الرواية أنها لم تكتفِ بتسليط الضوء على المشاكل بل طرحت حلولاً”.

وبيّنت الكاتبة رنا العسلي في تصريحها لـ”البعث” أن الرواية “تحكي عن الكبت النفسي الذي يمارسه بعض الأهل على أطفالهم من باب الجهل أو العادات ومدى تأثير ذلك على شخصياتهم في ظروف الحرب وما بعدها، ولعبتُ في هذه الرواية على العامل النفسي الذي يمر فيه كل إنسان وإسقاطاته على الواقع وتأثيره على الشخصيات.. لقد كتبتُ عن الحرب بطريقتي، ووجدتُ في الحب حلول الحياة التي دمرتنا من الداخل، وأردت قول إن الحب وحده يستطيع انتشالنا من الحزن والفشل والخيبات”.

ولا تبتعد رنا العسلي -التي في رصيدها عدد من الروايات- عن الواقع وما يجري فيه قائلة: “الرواية بالنسبة إلي توثيق لأحداث، وقد أقدمها ضمن دراما اجتماعية خيالية فيها شيء من الفانتازيا، ولكن من دون مبالغة، وأميل إلى دمج ما هو اجتماعي بالمتخيل والبعيد عن العادات والتقاليد، وهو أمر ضروري في الرواية للخروج بنتيجة تفيد أي قارئ لها من خلال بحثي عما هو جديد في المضمون وطريقة الكتابة، فالشكل الجديد يعنيني مثل أي كاتب لأننا إذا بقينا نكتب ضمن قالب واحد فلن نتطور”.

وكان الشاعر خليفة عموري الذي أدار الندوة بيَّن أن رنا العسلي كاتبة متصالحة مع نفسها في كل كتاباتها وقريبة من الناس، وأهم ما يميزها أنها تكتب بصمت من تسلق حبال الهواء.

يُذكر أن رنا العسلي من مواليد حلب، خريجة كلية التربية، صدرت لها مجموعة من القصص والكتب النثرية، منها “رسائل لم يقرأها آدم”، و”على شفاه الوجد”، وفي رصيدها عدد من الروايات منها “مسكونة بك”، و”سنين المخاض”، و”أقل عزلة”، ونالت جوائز محلية وعربية عدة، كما أنّها حاصلة على لقب شخصية العام 2019 في مصر في مؤتمر منهجية المرأة في بناء الأوطان.