تغيّر المناخ يشكّل تحدّياً عالمياً مشتركاً
عائدة أسعد
إن تزايد وتيرة الظواهر الجوية المتطرّفة، بما في ذلك موجات الحر الشديدة في جميع أنحاء العالم، يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة للتكيّف مع تغيّر المناخ والتخفيف من حدّته.
ومنذ 7 حزيران، أصدرت إدارة الأرصاد الجوية الصينية تحذيراتٍ من ارتفاع درجات الحرارة لأيام متتالية وعلى مدى الأيام العشرة الماضية، شهدت أكثر من نصف مساحة الأراضي في الأجزاء الوسطى والشرقية من البلاد درجات حرارة تجاوزت 35 درجة مئوية، وخاصة في سهل شمال الصين وحوض نهر هواي، حيث استمرّت موجات الحرارة الحارقة، وتجاوزت 40 درجة مئوية.
ووسط الحرارة الحارقة جاءت المزيد من الأخبار السيئة، فقد ذكرت التقارير الصادرة عن خدمة كوبرنيكوس لتغيّر المناخ التي أسّستها المفوضية الأوروبية والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة أن العالم شهد شهر أيار الأكثر سخونة على الإطلاق، فقد بلغت أعلى درجات الحرارة في باكستان وشمال الهند والمكسيك وغواتيمالا والعراق والعديد من دول إفريقيا 45-47 درجة مئوية، وتجاوزت 50 درجة مئوية في بعض الأماكن، وفي البرازيل وشرق جنوب إفريقيا وجنوب شرق أستراليا وشمال الأرجنتين وشرق الولايات المتحدة وجنوب غرب كندا، كانت درجات الحرارة قريبة من المستويات القياسية أو تجاوزتها.
ولم يكن لدرجات الحرارة المرتفعة تأثير في حياة الناس وصحّتهم فحسب، بل خلقت أيضا مشكلات للزراعة ومصادر المياه والبنية التحتية الحضرية، وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: إن الارتفاع في درجات الحرارة العالمية في الأشهر القليلة الأولى من عام 2024 كان مرتبطًا بتأثير ظاهرة النينيو، ولكن إذا حكمنا من خلال التقلبات السنوية للحرارة الشديدة، فليس فقط تواتر الحرارة الشديدة ولكن أيضاً مدتها قد تأثرت، وهناك أسباب عديدة وراء تكرار حدوث الحرارة الشديدة، أولها ظاهرة الاحتباس الحراري حيث أدّى حرق الوقود الأحفوري على نطاق واسع منذ الثورة الصناعية إلى ارتفاع كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من انبعاثات الغازات الدفيئة التي أدّى تراكمها في الغلاف الجوي إلى تكثيف ظاهرة الاحتباس الحراري ورفع درجة حرارة سطح الأرض.
ثانياً، أدّت الوتيرة السريعة للتوسّع الحضري، وزيادة الكثافة السكانية، والتشييد المكثف للبنية التحتية، وارتفاع الازدحامات المرورية في أجزاء كثيرة من العالم إلى تفاقم تأثير الجزر الحرارية الحضرية، ما جعل المناطق الحضرية أكثر دفئاً حتى من المناطق الريفية المحيطة بها.
ثالثاً، أدّت التغيّرات في استخدام الأراضي، بما في ذلك إزالة الغابات وتحويل الأراضي العشبية والأراضي الرطبة إلى أراضٍ زراعية ومناطق حضرية، إلى تدمير النظم البيئية الطبيعية، والحدّ من الغطاء النباتي السطحي والتأثير في قدرة المنطقة على تنظيم المناخ الطبيعي.
رابعاً، أدّت التغيّرات في الدورة المناخية إلى زيادة وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك الحرارة الشديدة، كما أدّت الدورات المناخية الطبيعية مثل ظاهرة النينيو والنينيا، التي تتسبّب في تقلبات درجات الحرارة القصيرة الأجل، بالإضافة إلى الانحباس الحراري العالمي، إلى تفاقم تواتر وشدة الأحداث المناخية المتطرفة.
إن تغيّر المناخ هو نتيجة لزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة المتراكمة لأكثر من 150 عاماً، في حين أن موجات الحرّ هي إنذار للبشرية لاتخاذ تدابير فورية لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري، ولذلك، حسب المختصين بشؤون البيئة، إلى جانب الحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة، يتعيّن على البشر التكيّف مع تغيّر المناخ، وفي البداية نحتاج إلى مراقبة الظواهر الجوية المتطرّفة بشكل أكثر صرامة وتحسين نظام الإنذار المبكر حتى يتسنى إصدار التحذيرات في الوقت المناسب وتتمكّن الإدارات الحكومية من التحرّك في الوقت المناسب لإنقاذ الأرواح والممتلكات، ويتمكّن الناس من الاستعداد للظواهر الجوية المتطرّفة الوشيكة.
وهناك أيضاً حاجة إلى تعزيز القدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ، ووضع خطط للتعامل مع الظواهر الجوية القاسية بما في ذلك الحرارة الشديدة، وتعزيز احتياطي مواد الطوارئ، وإجراء تدريبات منتظمة على حالات الطوارئ وتعزيز القدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ لضمان الاستجابة السريعة والفعّالة في حالات الطوارئ.
وإلى جانب ذلك، ينبغي للقطاعات الصناعية أن تعمل بقوة على تطوير الطاقة المتجدّدة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وفي الواقع حققت الصين تقدّماً كبيراً في توليد الطاقة الشمسية، لتصبح أكبر منتج ومستخدم للطاقة الشمسية في العالم كما تعمل على تعزيز تقنيات البناء الأخضر من خلال استخدام مواد وتصميمات موفرة للطاقة، والحدّ من استخدام تكييف الهواء، وبالتالي تقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات الغازات الدفيئة.
وفي حين أن توسيع المساحات الخضراء الحضرية وبناء المزيد من المتنزهات والأحزمة الخضراء في المناطق الحضرية يمكن أن يقلل درجات الحرارة في المناطق الحضرية ويخفف من تأثير الجزر الحرارية، فإن تطوير التقنيات الزراعية الذكية، واستخدام المياه بشكل أكثر كفاءة وتعزيز إدارة المياه يمكن أن يوفر المياه.
وعلاوة على ذلك، لا بدّ من تعزيز الوعي العام بشأن حماية البيئة والحفاظ عليها وتثقيف الطلاب في سن مبكرة حول الآثار السلبية لتغيّر المناخ وكيفية التخفيف منها، والتكيّف معها، على المدى الطويل، هو وسيلة أفضل لخلق وعي جماهيري حول ظاهرة الاحتباس الحراري، ومن الممكن الاستعانة بالبحوث العلمية بشأن تغيّر المناخ، وخاصة فيما يتعلق بالظواهر الجوية المتطرّفة بما في ذلك الحرارة الشديدة، بأساس علمي لصياغة تدابير الاستجابة الفعّالة.
وباعتبارها دولة نامية تتمتع بمناخ متنوّع وعدد كبير من السكان، تواجه الصين تحدياتٍ أكثر خطورة، ولذلك يتعيّن عليها أن تتخذ تدابير فعّالة لتعزيز المراقبة، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر، وتعزيز قدرتها على إدارة الطوارئ، ومواصلة التنمية المنخفضة الكربون.
ولأن تغيّر المناخ يشكل تحدياً عالمياً مشتركاً، فإن العالم يواجه هذا التحدّي معاً ويتعيّن على الصين، من جانبها، أن تعمل على تعزيز التعاون الدولي، والعمل مع البلدان في مختلف أنحاء العالم لمعالجة تغيّر المناخ.