فاطمة الحسن: الشعر فطرة ينقصها المتابعة والصقل
حمص- عبد الحكيم مرزوق
تلمّست الشاعرة فاطمة الحسن طريقها نحو الشعر في مرحلة اليفاعة، أي مرحلة الأحلام التي نتمناها، وكان الشعر حلماً حققته، فكان لها زهاء أربع مجموعات مطبوعة هي “تقاسيم وطن” الصادرة عام 2017، و”نسيم الروح” الصادرة عام 2019 و”ظلال الحلم” الصادرة عام 2020، وآخرها مجموعة “ذاكرة الحبّ” الصادرة عام 2022.
وتحدّثنا عن شعورها عند صدور مجموعتها الأولى فتقول: “كنت سعيدة جداً عندما صدرت مجموعتي الأولى، كنت كما الطفل الذي يفرح بأول خطوة له على هشاشتها، وبعدها أحسستُ بأنّني ملكت العالم، فالشعر هذا الترف الروحي، يعيد إلى الروح مهمّة تشكيل الواقع الحسيّ بشكل انسيابي، فيه تغدو الحياة أكثر مرونة من ذي قبل تستطيع حرق السفن وترميمها، تستطيع تقديم مضامين إنسانية بشكل جميل، أن تسقط العين الثالثة -الكاميرا- على أيّ شيء لتصنع منه وهماً جميلاً أو ترباً به جرح، أو تصنع منه حلماً مستحيلاً.. الأموال القليلة التي لا ننالها ونحن في بلادنا وتمدّ لنا بسبب لكي نقول هل من طريق للعبور.. نحن ككلّ السوريّين نحلم أن نخرج ببلد معافى من نرجسية يحفل فيها القلة”.
وحول بداية تجربتها الشعرية تقول: “أذكر أن البلاد كانت تمرّ بداء عضال، وكنتُ وقتها في بداية مشواري الشعريّ، فآثرت أن أكتب التقاسيم التي أرّقت المهج وأثلمت الأرواح، وأذكر أنّني ذهبت إلى دمشق والقذائف تمطر سماؤها وابلاً، ولم يثنِ عزيمتي هذا الأمر، إذ كنت قد أخذت على عاتقي إكمال رسالة استطعت من خلالها إيصال تلك المضامين الإنسانية نثراً وشعراً وأدباً”.
أما تأثير الوسط المحيط في توجيه الموهبة الأدبية فقالت: “عندما كنت صغيرة في الثامنة عشرة، شاركت مع الشاعر الراحل عمر الفرا في مدينة القريتين بأمسية شعرية أقيمت في احتفال كبير، ومن ثم كان لي عدد كبير من المشاركات بتشجيع كبير من الأهل والأصدقاء عبر الأمسيات والاحتفالات التي كانت تقام آنذاك، ما شجعني على الاندفاع في تنمية موهبتي الشعرية لكي تكون أكثر نضجاً للمشاركة في هذه الأمسيات التي تعطي دفعاً للكاتب ليطور أدواته في التعبير ويقدم شعراً مختلفاً ومتمايزاً عما هو سائد”.
تبتعد الحسن عن الشعر المقفى، وتعلّل ذلك بالقول: “لي بعض القصائد المقفاة، لكن تركت لتلك النفحات أن تكتب بروح العصر، بلغته الأقرب إلى عوالمنا، تختزلنا بلغة جميلة ووجيزة، ولي أيضاً تجارب أحبّها وأعتز بها، لأنها لامست قلوب الناس فأغنت مسيرتي وأحبّها الناس، لكن ليس خطّي بالتأكيد، ما أغراني في كتابة الشعر هو ابتسامة طفل ووطن جميل ولوحة لم تكتمل لقمر شاحب وصرخة مدوّية لوطن مغتصب وحبّ مستحيل”.
ورداً على سؤال ماذا تريد أن تقول من القصيدة، تجيب: “للقصيدة هواجسها فهل تنتهي هذه الهواجس؟ أظنّ أنني استطعت أن أكون أنا وأنتم، وكلّ من خصّته ريشتي ولو بكلمة أن أقول ما أريده”.
وحول فيما إذا كانت تعتقد أن ركوب ناصية الشعر سهلة وماذا تتطلب ليتمكن الشاعر من امتلاك الناصية؟ تقول: “أظنّ أن الشعر فطرة ينقصها المتابعة والصقل والعودة إلى تجارب أدباء وشعراء وكتّاب لكي يصبح للمخزون الثقافي والمعرفي أذن وعين ليسقط نتاجه بتلك السلاسة الشعرية”، مشيرةً إلى أنّه كان لبعض الشعراء تأثير قوي في تجربتها الشعرية، ومنهم صقر عليشي، وسامر كحل، ورياض الصالح الحسين، وأنيسة عبود، ونازك الملائكة، وغيرهم كثر، ومضيفةً: “لا أستطيع إيفاء الشعر حقه، إذ جعلني فراشة تصلي لتحترق إيذاناً لمولد الحبّ أو خلاصاً من شرنقة في زهد وخوف كبير في فرح بعيد كلّ البعد عن الهرطقة، وبالتأكيد لا يكفي الدفق الشعوري ما لم يكن مصحوباً بكمّ معرفي وجمالي ليطلق روحه في تلك السماء”، وعما يقلق الشاعر قالت: “هناك دائماً ما يقلقنا، وطالما نحيا فهناك دائماً ما يجعلنا معنيين بكلّ جديد، ودائماً هناك ما نقوله ليوم يأتي ونحن فيه”.
وفيما إذا كان إصدار مجموعات شعرية جديدة في ظل هذا الغلاء يشكل عبئاً مادياً كبيراً في هذا الوقت قالت: “نعم يشكلّ أيّ عمل أدبي على حساب الأديب أو الشاعر عبّئاً ما لم تكفله جهة رسمية، وجديد إصداراتي مجموعة شعرية جديدة بعنوان “عازف الّليل”، ربّما تبصر نهارها قريباً.