رأيصحيفة البعث

في مفهوم الحصانة.. وحدودها!!

علي اليوسف

كان لافتاً القرار الدستوري الذي اتخذته مؤسسة مجلس الشعب برفع الحصانة عن عدد من أعضائها، والذي أثار ضجة إعلامية كثر معها الخلط بين الرأي والخبر والقانوني والسياسي. هذا الإجراء الدستوري هدفه الإيضاح بأن الحصانة البرلمانية يجب أن لا تتحول إلى وسيلة يتخفى بها العضو من الملاحقات القضائية، بل يكرس مبدأ المساواة أمام القانون، وأن الحصانة في معناها الحقيقي لا تحمي أي عضو إلا خلال أدائه لمهامه التشريعية والتمثيلية.

صحيح أن معظم الدساتير في العالم، بما فيها الدستور السوري، تتضمن نصوصاً تكفل الاستقلال والحماية لأعضاء مجالس الشعب، كنوع من الضمانة بعدم اتخاذ أي من الإجراءات القانونية ضد أحد أعضاء المجلس أثناء انعقاده بغير إذن من المجلس نفسه، لكن هذا لا يعني بالمطلق أن يصبح أعضاء المجلس دون بقية الأفراد فوق القانون، فالحصانة فـي الواقع ليست طليقة من كل قيد أو حدّ، بل هناك ضوابط وقيود عديدة تحدّ من نطاقها إذا ما تجاوز أحد الأعضاء الحدود المسموح بها، أو الحدود المشروعة لها، فهي عندما تقرّرت إنما كانت لهدف محدّد وواضح لا يجوز تجاوزه أو الخروج عليه، وإلا تعرّض العضو للمسؤولية كاملة، مثله مثل أي مرتكب أو متجاوز.

وبالعودة قليلاً إلى الوراء، يعتبر مفهوم الحصانة – كمصطلح –  حديثاً قياساً بعمر المعرفة القانونية لدى الكثير من الناس، حيث تمارس في حدود ضيقة، وتصنف على فئات قليلة العدد وظائفياً، ولذلك هي غير مشاعة المعنى، وحتى عندما يأتي ذكرها في سياقات كثيرة معرفية، وقانونية، يذهب المعنى مباشرة إلى فئات بعينها، ومن ذلك الحصانة البرلمانية.

وسواء استوعبنا هذا الفهم، أم لم نستوعبه، فإن هناك مغالطة موضوعية عندما نحصر المعنى للحصانة على الفئات التي تحظى بشرعية قانونية لمفهوم الحصانة، لأن هؤلاء المحصنون ستسقط حصانتهم حين التلطي وراء هذا الإجراء القانوني واتخاذه ذريعة لتحقيق المصلحة الشخصية، كاتخاذها نوعاً من الوجاهة الاجتماعية، أو السمسرة المالية، أو تمرير الصفقات المشبوهة، حيث يذهب المعنى إلى شعور من يتمتع بحصانة ما أنه متحرر من سلطة القانون عليه، سواء أكانت هذه السلطة أخلاقاً ذاتية، أو عرفاً اجتماعياً، أو قانوناً عاماً.

لذلك فإن الحصانة بقدر أهميتها، فإنها في المقابل لا تعطي الحق في توظيفها التوظيف السيئ الذي يذهب بحاملها إلى انتهاك الحقوق، والمغالاة في توظيف ما تحمله الحصانة، ولهذا لا يجب أن تتجاوز العدالة الحقوقية للأفراد في المجتمع، وتذهب إلى ما يحقق لعضو مجلس الشعب مصالحه الشخصية، ويلبي نزواته الضيقة، والتضحية بالعدالة في متونه الخاص، وجعل العام مالاً مشاعاً تتقاذفه المصالح الذاتية.

من هذا المنطلق، تأتي الحصانة البرلمانية كأحد الاستحقاقات المهمة لعضو مجلس الشعب، لكي يتمتع بالحرية في الحوار الموضوعي الذي يقوم به بدلاً من الناخبين الذين أولوه الثقة لكي ينوب عنهم في مشروعية الحوار القائم مع السلطة التنفيذية، وهو حوار يفترض أن يذهب في مشروع تنمية الوطن، وليس لإسقاطه في خندق المصلحة الخاصة، وبالتالي فمتى تجاوز البرلماني هذا المحدد، يصبح ليس جديراً بأن يحمل هذه الحصانة، وليس جديراً بأن يكون تحت قبة المجلس الممثل للشعب كله، والذي يعبر عن مصالح الشعب.