الدعم النقدي.. هل سيقضي فعلاً على الهدر والفساد ويضمن إيصال الدعم إلى مستحقيه؟
ليندا تلي
تتابع الحكومة ملف إعادة هيكلة الدعم بشكل مخطّط ومدروس، بهدف إيصال الدعم إلى مستحقيه بشكل عادل. وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة عن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي، وطلبت من حاملي بطاقات الدعم الإلكترونية المبادرة إلى فتح حسابات مصرفية باسم حامل البطاقة خلال مدة ثلاثة أشهر، فهل ستنجح هذه الفكرة أم ستفشل كسابقتها الذكية؟
تساؤلات مشروعة
عقب الإعلان الحكومي عن الشكل الجديد للدعم، غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتساؤلات حول معايير الدعم وشروطه وآلية توزيعه وكم قيمته، في ظلّ تذبذب سعر الصرف وارتفاع أسعار المواد، وهل البنية التحتية للمصارف قادرة على تحمّل الضغط؟ وماذا عن القاطنين في الأرياف التي لا يوجد فيها صرافات؟ وغير ذلك من الأسئلة التي ما زالت دون إجابة؟!
الخوف من الفشل
التحوّل السلعي إلى نقدي ليس وليد اللحظة، وفق ما ذكر أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة، الذي لفت إلى أنه مطلب قديم، وذلك لأسباب عدة، أهمّها أن الدعم السلعي لا يصل إلى جميع مستحقيه، إضافة إلى تعثّر توزيع المواد المدعومة رغم توفّرها لدى مؤسسة التدخل الإيجابي، ناهيك عن تواتر دخول المواد إلى المؤسسة واستلامها من المواطن الذي يواجه صعوباتٍ جمّة، مضيفاً: إنّ هذا القرار يعبّر عن التعثّر الحكومي في إيصال الدعم إلى مستحقيه ووجود حلقات وساطة كبيرة في هذا المجال أدّت إلى دخول العديد من الفاسدين واستفادة غير المستحقين، وعدم إمكانية تحقيق الدعم المباشر للمواطن القاطن في المناطق النائية، معنى ذلك أنّ البدل النقدي هو المناسب، لكن هناك صعوبات ستعترض هذا الشيء من جهة أن قاعدة البيانات غير مكتملة وعملية التحوّل الرقمي في ظلّ التجارب السابقة لم تؤدّ المرونة الكافية في ظلّ عدم توفر إمكانية التواصل.
“ما في دعم”
ولفت حبزة إلى أن المواد المدعومة حالياً هي الغاز وربطة الخبز والوقود الذي تخلّت الحكومة عن نسبة كبيرة منه، ويرى أنّ المبالغ لن تكون كما هو مأمول منها بحيث تغطّي حاجة المواطن، متسائلاً عن سبب غياب الشاي والزيت والمواد التموينية عن الدعم، ومشيراً إلى أنّ الخمسين ليتراً من المازوت التي تقدّمها الحكومة لا تشكّل دعماً، وخاصة بعد رفع سعره، وهنا نستطيع القول: إنّ الحكومة لم تنجح في إيصال السلع إلى أصحابها، ما خلق مبرراً للمواطن للقول بكل ثقة: “ما في دعم”!
التريّث قبل الإقرار
واقترح حبزة التريّث بهذه الخطوة متسائلاً: هل من دعم للنقل الداخلي باعتبار أن التنقلات كانت بخمس ليرات وهي اليوم تتراوح بين 2000 و3000 ليرة، وسكان الأرياف يدفعون أربعة إلى خمسة آلاف ليرة، لذا، طالب حبزة الحكومة بإعداد الدراسات اللازمة من اقتصاديين مختصين، وأن تكون بمنزلة تجربة لمعرفة انعكاسها على المواطن، وأن تكون جزئية على مستوى مناطق أو محافظات كتجربة في حال نجاحها تعمّم وفي حال فشلها تُلغى.
تساؤلات برسم اللجنة؟
ولفت حبزة إلى أن أغلب المواطنين اليوم في حيرة من أمرهم حول كيفية فتح حساب مصرفي وحجم المبلغ وغيرها من التساؤلات، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أن الحكومة لم توضّح هذه النقطة بل اكتفت بطرح الفكرة وأمرت بفتح حسابات مصرفية!.
“دبّر راسك”
وقال حبزة: إن التساؤل المطروح: كيف سيتمّ فتح حساب مصرفي للقاطنين في المناطق النائية، رغم أنه تمّ تمديد الدوام في المصارف؟ وهل هناك قدرة لدى المصارف، ومشهد الطوابير على المصارف يكفي للإجابة؟ مستذكراً موضوع المنحة التي لم يتمكّن كثيرون من قبضها حتى اليوم، ومشيراً إلى أن المبلغ المقدّم من الحكومة لا توجد رؤية واضحة له، وأكثر ما نخشاه هو انخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية مع تقدّم الوقت، وهذا الشيء يعبّر عن قيام الحكومة بالانسحاب تدريجياً من دعم المواطن، وإن كانت تصريحاتها تثبت أن الدعم مستمر، ولكن الواقع يحكي عكس ذلك، فالتجارب السابقة كلها فاشلة، ما حمّل المواطن المسؤولية كاملة بمعنى “دبّر راسك”!
عدم استقرار الأسعار
الاقتصادي فادي حمد رأى أنّه في حالة عدم الاستقرار السلعي واستمرار العقوبات لا يمكن تحقيق الثبات في كمية الحاجة والتعويض المادي للسلع، حيث يجب أن يكون التعويض المادي في سعر انقطاع المادة وليس عند التوفر، لكي لا نتعرّض لأزمات عدم التوفر والاحتكار والمتاجرة، لزيادة الأمان للمواطن، وشجّع حمد فكرة إعادة الدعم لكلّ شرائح المجتمع، ولكن حسب الحاجة والعوز.
أمّا ما يخصّ المبالغ المتوقعة، فأكد حمد أنه يجب ألا يقلّ عن ١٥٠ ألفاً ولا يتجاوز ٢٥٠ ألفاً لكي نضمن الاستمرار ونحقق النفع العام في الوقت الحالي، ويجب أن يتأقلم المبلغ مع التطورات وحالة الاقتصاد.
منع الهدر والمتاجرة
أما الفائدة التي تسعى إليها الحكومة، وفق حمد، فهي تخفيف عدد الكوادر غير الفاعلة ومنع المتاجرة بالسلع وضبط المستوردات، وعدم خلط المواد المستوردة لمصلحة الدعم مع مستوردات التجار، وكشف حلقات التحايل ومنع الهدر بشكل منضبط، وتحقيق مستوى معيشي يندرج ببند العدالة والمساواة في المجتمع المحلي، حيث تكمن خطة الدعم بطرق التنفيذ الفعّالة ودراسة المنعكسات، وبرأيه، يجب أن تبقى البطاقة كمنظم لعملية تحصيل الدعم لمنع المتاجرة، ضارباً مثالاً: إذا كان لديّ بالبطاقة مبلغ ما هل يمكن أن أشتري به الغاز فقط، هنا يجب أن يكون عمل البطاقة تنظيمياً أيضاً عندما يملك المواطن مبلغاً “كاش” غير مقيّد بشراء مواد الدعم، فهذا من شأنه أن يحرّك السوق بطريقة جيدة ويساعد في تأمين الحاجات البديلة، أما السلبيات فتكمن في عدم وجود مبالغ ثابتة يمكن أن يبني عليها المواطن برنامج الصرف حسب المتغيّرات.
البطاقة العائمة
وفيما يخصّ البطاقات العائمة “التي أصحابها خارج البلاد”، بيّن حمد أنه في إعادة الهيكلة يمكن ضبط الكثير منها وتحديد فعالية البطاقة بشكلها الحقيقي والمستفيد منها بشكل كبير، مشيراً في سياق حديثه إلى أن مبلغ فتح الحساب بالنسبة للمواطن لمرة واحدة غير مكلف لأنّه ليس مستمراً، وهذا يجعل للمواطن دراية واطلاعاً على سير المعاملات المصرفية والبنكية، وفي الوقت نفسه يعزّز الفكر الإلكتروني في المعاملات، وهذا ما يجعلها خطوة توعوية إلكترونية حديثة باتجاه التطوّر وطريقة التعاملات الحديثة، ويضمن المواطن مبلغه دون تدخل وسطاء وخلق بيئة للفساد، نافياً وجود عائق أمام عمليات فتح الحساب فهي عمل روتيني، ويمكن أن يرتبط الحساب الجديد بحساباتهم المصرفية السابقة، وليس فتح أكثر من حساب، وهذا يعود لدقة الأعمال المصرفية ونشاطهم.
دعم عيني
بدوره الاقتصادي ياسر أكريم رأى أن من إيجابيات الهيكلة الجديدة استثناء من هم خارج القطر الذين يعملون بالعملة الصّعبة، في حين أرجع حجم المبلغ المستحق إلى قدرة الدولة وطاقتها، وهنا تمنّى أن يكون الدعم عينياً، مشيراً إلى أن توزيع الدعم لمستحقيه جيد، ولكن إدارة التوزيع وتقييم العمل مهمّان أيضاً، أي علينا ألا ننتظر سنتين حتى نقوم بتقييم العمل، لافتاً إلى أن مشروع البطاقة الذكية لم يكن حلاً صحيحاً، مع العلم أن البرنامج رائع، ومضى عليه مدة طويلة وإلى اليوم لم يتمّ تقييمه بشكل صحيح أو خاطئ وسبر النتائج، فقد كان الهدف منها مثلاً فيما يخصّ الخبز تجنّب الطوابير، ولكن عادت أزمة البطاقة الذكية والأفران، وبالنسبة للسكر والرز وغيرها لم توزّع المواد طويلاً، أما الغاز الذي يجب توزيعه كلّ شهر فوصل إلى 90 يوماً، منوهاً إلى وجود خلل في إدارة التوزيع يجب لحظه وتوجيه الدعم بشكل عادل، إذ يجب البحث عمّن يستحق الدعم وإجراء حوارات وجلسات مع غرفة التجارة ونقابتي العمال والأطباء، ومن ثمّ إصدار شروط نظامية لمن يستحق الدعم، مستشهداً بحديث السيد الرئيس عن دور الجمعيات الخيرية في الفترة الأخيرة بالحماية الاجتماعية، متسائلاً لمَ لا تكون هذه الجمعيات جزءاً ممن يعطي معلوماتٍ عن مستحقّي الدعم باعتبار أن المسجلين لديها أولى الناس؟