أفول إمبراطوريتين
تقرير- سنان حسن
في تزامن قد يكون بمحض الصدفة، تخوض فرنسا وبريطانيا انتخابات تشريعية، وإن كانت الأهداف مختلفة في كل بلد بحسب التوجه والسياسة التي تنتهجها، إلا أن قاسماً مشتركاً بينهما، أن الانتخابات عبرت وبشكل جلي وواضح عن أفول الإمبراطوريتين القديمتين ودخولهما في مرحلة جديدة من الثبات والجمود، وهذا ما عكسته استطلاعات الرأي في كلا البلدين والتي أشارت إلى عدم رضا شعبي كبير عن الأحزاب السياسية والسياسيين الذين تقاذفوا الاتهامات، وسعوا إلى تحصين مكاسبهم السياسية ولو على حساب مصلحة الحزب والدولة، ما فسح المجال أمام الأحزاب اليمنية المتطرفة للاستفراد بالساحة والبدء بتطبيق سياسات قد تدمر المجتمعين تدميراً عميقاً.
والبداية مع فرنسا والتي دعا رئيسها إيمانويل ماكرون إلى انتخابات مبكرة على خلفية فوز اليمن المتطرف بانتخابات البرلمان الأوروبي، أملاً في تغيير المشهد السياسي الجديد المتشكل، ولكن نتائج الدورة الأولى عكست توقعاته، حيث لم ينجح في تحقيق صدمة في الشارع الفرنسي للعدول عن تأييده اليمني المتطرف، بل على العكس تصدر اليمين نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، وهو ما أثار ذعراً في كل فرنسا، تماماً كما حصل عند وصول مرشح اليمين جان ماري لوبان للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مع الرئيس السابق جاك شيراك، ولكن حينها كانت فرنسا تتحصل على قيادات سياسية مرموقة تمكنت من شحن الشارع ودفعه إلى نبذ اليمين وفوز شيراك بأكثر من 80% من الأصوات، ولكن اليوم ماكرون وقبله الرؤساء الفرنسيين من هولاند وساركوزي دمروا المجتمع الفرنسي بالسياسيات التي انتهجوها خلال الفترة السابقة، وبالتالي فإن محاولة استنهاض الشارع الفرنسي مرة أخرى ودفعه إلى منع اليمين من الفوز بالجولة الثانية، قد لا تحقق نتائجها المرجوة، وقد نراهم يقودون فرنسا لأول مرة منذ حكومة فيشي إبان الحرب العالمية الثانية.
أما بريطانيا، وبعد 14 عاماً من حكم المحافظين، فإنها تتهيأ لفوز عمالي ساحق لأول مرة منذ 1997، والأقسى للمحافظين منذ 100 عام خلال وجودهم في الساحة السياسية البريطانية، إذ أن الفوز العمالي في جزء منه ناجم عن السياسات التي انتهجها المحافظون بداية من الخروج من الاتحاد الأوروبي، مروراً بالسياسيات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة والتي أدت إلى تضخم غير مسبوق في بريطانيا وانخفاض الأجور لأول مرة منذ 50 عاماً، وتعاملهم مع ملف الهجرة وترحيل المهاجرين عبر “قانون رواندا” المثير للجدل، وليس انتهاءً عند الخلافات الشخصية بين قادة حزب المحافظين من تيريزا مي، إلى بوريس جونسون وليزا تروس وأخيراً ريشي سوناك، والتي أفضت إلى واقع سياسي مخزي ليس أخر فصوله محاولة أكثر من 100 نائب محافظ استبدال رئيس الحكومة الحالي قبل الانتخابات في انقلاب سياسي لم تشهده بريطانيا من قبل، وعلى المقلب الآخر فإن حزب العمال بقيادة كير ستارمر ليس أفضل حالاً من خصمه التقليدي، فالصحافة البريطانية شككت في خططه المتعلقة بالاقتصاد وإيقاف التضخم ومعالجة مسألة الهجرة، والعنصرية المتفشية في البلاد، مستدلةً على الكثير من الأحداث التي شابت مسيرة الحزب في الانتخابات الفرعية والتي أدت إلى خروج وفصل العديد من صفوفه، بسبب مواقفهم من الحرب على غزة وتأييد الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإن المتوقع من حكومة العمال لن تكون كبيرة بقيادة السير ستارمر، وقد نشهد فصولاً جديدة من المشاكل والأزمات غير القابلة للحل.