دراساتصحيفة البعث

في ذكرى صدور جريدة البعث..  ذكريات صَحفيَّة وسبعة وثلاثون عاماً

القنيطرة – محمد غالب حسين

أذكر أن المادة الصحفية الأولى التي نشرتُها بصحيفة البعث كانت بتاريخ  ٢١ / ٥ / ١٩٨٧ م، وحملت عنواناً يقول: “مياه قرية مجدولية ملوّثة وغير صالحة للشرب”، وقد لاقت آنذاك قبولاً إيجابياً من المواطنين، بينما استنكرها المعنيّون بمؤسسة مياه القنيطرة وعاضدهم بذلك أعضاء المكتب التنفيذي للمحافظة قائلين: “إذا كانت أولى مواده الصحفية لاذعة ناقدة وقوية جداً، فماذا سيكتب بعد أن يلج خضم واقع العمل الحكومي، ويستمع لأحاديث الناس وشكاوى المواطنين”.

لقد عاصرت خلال عملي الصحفي أربعة عشر محافظاً للقنيطرة، وأحد عشر قائداً لشرطة المحافظة، والعشرات من مديري المؤسسات والشركات والمديريات والدوائر والمخابز ورؤساء مجالس البلدات والبلديات، ومئات من أعضاء مجلس المحافظة، وكتبت مئات من الأخبار والتقارير الصحفية والتحقيقات والدّراسات.

ومن حسن المصادفات المهنية أنّ مدينة القنيطرة المحررة كانت محطة لابدّ منها لأغلب زوار القطر من رؤساء دول وحكومات وبرلمانات وقادة أحزاب وساسة ومسؤولين من دول العالم، وقد تابعت جميع الوفود التي زارت مدينة القنيطرة المحررة، ولن أنسى زيارة الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني للمدينة في السابع من أيّار عام  ٢٠٠١م، حيث أقام غبطته قداساً دينياً كبيراً بكنيسة الروم الأرثوذكس التي كان الاحتلال الإسرائيلي قد دمرها قُبيل انسحابه مرغماً من مدينة القنيطرة عام ١٩٧٤م.

وأذكر أنه بعد سنة من عملي مديراً لمكتب جريدة البعث في محافظة القنيطرة، قال لي أحدهم: “إن كثيراً من المسؤولين والمعنيين غاضبون منك، وهناك رؤساء دوائر ومديرون في المديريات والمؤسسات والشركات حاقدون على قلمك أيضاً”. وأضاف محدثي: “كما أن بعض المستخدمين والسائقين والكتبة الأميين من الرّعاع يتحدثون عنك بحنق شديد!”.

ابتسمت بثقة واطمئنان، وأجبت: “هذا يعني حقاً وصدقاً، أنني أسير على الطريق القويم. ولن أحابي أحداً، ولن أجامل أبداً، ما دام أبناء محافظة القنيطرة قد أصبحوا يرون في كلماتي شرفة جولانية في صحيفة البعث الغرّاء تعبّر عن همومهم، وتشير لمعاناتهم، وتسعى لحل مشكلاتهم، كأنها شجرة زيتون خضراء، جذورها متغلغلة في عمق الحقيقة، وأوراقها تظلّل جغرافية القنيطرة، ويجدون بظلالها متنفساً ومَلاذاً، ويرون بمكتب صحيفة البعث بمحافظة القنيطرة منتدى وموئلاً، يعبّر عنهم، ويتحدّث باسمهم، وستبقى محبة الوطن، والوقائع الدامغة الحبر الذي أكتب به، وستظل أوجاع الناس المداد الأنقى ليراعي. أما المصلحة العامة، فهي المشعل الذي يضيء لي معالم الطريق، ونبراسي للدفاع عن الحق، والذود عن الحقيقة، وعن الوطن والمواطن. سأشير لمواطن الخلل والتقصير، وأكشف الزيف والخداع والتباهي الكاذب. لن يثنيني غضب أحد، ولن يزعجني تعليق من هنا أو تلميح من هناك، فالنهر الذي يحمل الخير والنقاء، يحفر مجراه بهدوء وتؤدة، لأنه يفيض بحب الأرض، ويهبها روحه، فتنبت من كل زوج بهيج. أما الغثاء فإلى اضمحلال وزوال وفناء. ولا ديمومة إلا للحبّ والخير، والمجد للإنسان، والفداء للأوطان”.

وأغتنمها مناسبة بعد سبعة وثلاثين عاماً، لأقول من جديد، سأذكر بالخير صاحب الفعل الطيب، وأشيد بالثقاة الأمناء المخلصين الأنقياء، وأرفع الصوت عالياً صدّاحاً: ” لن نخشى لومة لائم في الإشارة للهنات والمثالب والتجاوزات والسلبيات”.

وأذكِّر في هذه العجالة أنه قد تمّ تكريمي خلال هذا العمر المهني المديد من وزارت الإدارة المحلية والبيئة والثقافة، وفرع القنيطرة لحزب البعث العربي الاشتراكي، ومحافظة القنيطرة، وفرع طلائع البعث وفرع الاتحاد الرياضي العام واتحاد العمال بالمحافظة، وأغلب مؤسسات المحافظة وشركاتها ومديرياتها، وفُزت بجائزة الجولان للإبداع الأدبي عدة مرات بمجالات الشعر والقصة القصيرة، وأفضل كتاب جولاني منشور.

واليوم، وقد بلغت من العمر عتيّاً، لو قُدِّر لي الاختيار من جديد، ما قبلت عملاً غير صاحبة الجلالة والسلطة الرابعة ومهنة المتاعب والبحث عن الحقيقة والدفاع عن معاناة الناس وهمومهم.

وآخر الكلام، أجمل التحايا لصحيفة البعث والعاملين فيها، وللصحفيين السلام والاحترام، مبارك وطن عظيم أيها الشآم، ومحبتي للجولان أيقونة الحبّ، وشقائق النعمان.