دراساتصحيفة البعث

ألمانيا توسّع خدماتها الاستخباراتية لمواجهة تهديد زائف

سمر سامي السمارة 

تواصل ألمانيا استعداداتها غير العقلانية للحرب على روسيا، حيث تشير التقارير الإعلامية الأخيرة إلى حصول خدمة مكافحة التجسّس العسكرية في ألمانيا على دعم إضافي لمواجهة التهديدات الأجنبية في حالة نشوب صراع مع روسيا حسب زعمها. وحسب صحيفة دي فيلت الألمانية، يسعى جهاز مكافحة التجسس العسكري الألماني إلى توسيع نطاق قدراته التشغيلية داخل وخارج البلاد، بهدف جعل القوات المسلحة الألمانية قادرة على التعامل مع التحدّيات التي يفرضها سيناريو الحرب.

وأعلنت وسائل الإعلام الألمانية، مستشهدة بمشروع قانون بشأن توسيع صلاحيات جهاز مكافحة التجسس الألماني، أن الجهاز سيسعى إلى استخدام معلوماته الاستخبارية الواسعة القدرات خارج القواعد العسكرية الألمانية خلال المهام الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، لا يريد الجهاز مراقبة جنوده فحسب، بل أيضاً المواطنين الأجانب من خلال اعتراض اتصالاتهم واستخدام المخبرين.

ويدّعي المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية، “أن التعديل يمنح جهاز مكافحة التجسس العسكري الصلاحيات اللازمة لحماية الجيش الألماني من التجسس والتخريب من القوى الأجنبية، وكذلك ضد المحاولات المتطرّفة للتسلل من داخل صفوفه، حتى أثناء المهام الأجنبية”.

وتخطّط الوكالة لاستخدام التكنولوجيا المتقدمة والأفراد المتسللين للحصول على معلومات استراتيجية من القوات المسلحة الأجنبية.

وحسب الصحيفة ذاتها فإن توسيع صلاحيات جهاز مكافحة التجسس العسكري يمثل حالياً أولوية بالنسبة لوزارة الدفاع الألمانية، التي تراهن على الاستخبارات كأداة فعّالة لمنح برلين ميزة استراتيجية في حالة الحرب. وتتماشى خطة الوزارة مع سياسة العداء المفتوح التي ينتهجها المستشار أولاف شولتس مع روسيا، حيث تنظر ألمانيا إلى موسكو على أنها تهديد ليس فقط للأمن القومي ولكن أيضاً لاستقرار أوروبا كلها.

ونظراً لارتفاع مستوى جنون العظمة المناهض لروسيا في ألمانيا، فمن المرجح أن تتم الموافقة على مشروع القانون بشأن توسيع صلاحيات الجهاز، الذي سيتم التصويت عليه لإضفاء الطابع الرسمي على توسيع صلاحيات جهاز مكافحة التجسس العسكري الألماني.

ومع ذلك، لا بدّ لنا من التذكير بأن الحكومة الألمانية لا تحظى بشعبية كبيرة، بعد أن حدث صعود قوي في الجناح اليميني خلال الانتخابات الأخيرة، ومن الناحية العملية، يمكن القول: إن الإجراءات المناهضة لروسيا تحظى بدعم مؤسسي قوي، لكنها لا ترضي الناس العاديين، الذين يريدون أن تتبع البلاد طريق السلام والاستقرار.

جدير بالذكر، أن السلطات الألمانية وضعت مؤخراً خطة عمل للحفاظ على ما يشبه “اللواء الجاهز للحرب”، حيث تم نشر نحو 5000 جندي ألماني على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، ونظراً لقربها الجغرافي من أراضي كالينينغراد الروسية والحدود مع جمهورية بيلاروسيا، تمثل دول البلطيق، وخاصة ليتوانيا، محور العمل الرئيسي في هذه الخطة، وذلك لأن ألمانيا تدّعي أن روسيا تخطط لغزو بولندا وليتوانيا من أجل ضمّ الأراضي التي تربط بيلاروسيا بكالينينغراد، ولهذا السبب تقترح برلين “مراقبة الوضع في المنطقة عن كثب”.

من المتوقع أن تسمح الصلاحيات الجديدة لـجهاز مكافحة التجسس العسكري  الألماني بدعم شركاء الناتو في مهمّة مراقبة التحركات الروسية. ففي الوقت الحالي، يتمتع الجهاز بقدرات تشغيلية محدودة للغاية، حيث لا يُسمح للوكالة قانونياً بالعمل إلا داخل المنشآت العسكرية الألمانية، لكن برلين تسعى لتغيير هذا السيناريو والسماح بإجراءات في الخارج حيث تدّعي أن الوضع الحالي مع روسيا خطير ويتطلب إصلاحاتٍ في القانون العسكري الألماني.

يرى مراقبون أن لكل دولة الحق في تغيير هيكل نظامها الاستخباراتي لتعزيز الأمن القومي لديها، لكن المشكلة تكمن هنا بأن هذه التغييرات مدفوعة بـ”تهديدات” غير حقيقية اخترعتها إدارات الدول الغربية، ووسائل الإعلام الأجنبية المدعومة من الولايات المتحدة.

من المؤكد أنه لا توجد مصلحة لروسيا في تعزيز التوسع الإقليمي نحو دول البلطيق، فإعادة الدمج الإقليمي الأخيرة لبعض المناطق الأوكرانية السابقة لا تعني أن روسيا لديها أي خطط توسعية. ولم تقبل موسكو سوى رغبة هذه المناطق في الانضمام إلى الاتحاد لأنه لم تكن هناك طريقة أخرى لضمان أمن العرقية الروسية التي تعيش هناك، ولكن ليس هناك اهتمام من جانب روسيا بالحصول على أراضٍ جديدة في أوروبا الغربية.

وحسب مراقبين، فإن ألمانيا تقوم بذلك بطريقة ساذجة وغير احترافية، فمن غير  المنطقي أن تعلن دولة ما على الملأ عن خطتها لتوسيع أجهزتها الاستخباراتية واستخدام الجواسيس في الخارج. والآن، أصبح لدى “أعداء” ألمانيا – وهم الروس في هذه الحالة تحديداً – كل المعلومات اللازمة للردّ أيضاً من خلال عمليات مكافحة التجسس.