ألا تتعلّم الولايات المتحدة من إخفاقاتها الدبلوماسية؟
عائدة أسعد
في مقالته الافتتاحية بعنوان “ما يمكن للولايات المتحدة أن تتعلّمه من الصين”، التي نشرت على موقع فورين بوليسي الأسبوع الماضي، حاول ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أن يقدّم لصانعي السياسة الأمريكيين بعض الأفكار في كيفية تحسين السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
لقد قام الحزبان السياسيان في الولايات المتحدة من الناحية الفنية بتخفيض مستوى التحدّي الأكثر اختباراً، إن لم يكن الفن المتمثل في التعامل مع العلاقات الثنائية الأكثر أهمية مع الصين، وتحويله إلى استراتيجية احتواء تفتقر إلى المرونة والحكمة والبصيرة.
إن الجهود الكبيرة التي بذلتها واشنطن في جهودها لإجبار حلفاء الولايات المتحدة والدول الأخرى على القفز على عربتها المناهضة للصين على حساب ثني القوانين والقواعد الدولية تأتي في الواقع بنتائج عكسية على الولايات المتحدة نفسها، ناهيك عن العبء المعنوي والمدخلات المادية التي تتطلبها سياستها.
فالعالم يرى بوضوح أن الولايات المتحدة تستخدم وسائل غير عادلة وتتهم الصين بتوظيفها، بما في ذلك إعانات الدعم الحكومية، والحمائية، وحروب الرسوم الجمركية، وإغراق الطاقة الفائضة، لتعظيم مصلحة الولايات المتحدة المهيمنة على الدول الأخرى، بما في ذلك حلفاؤها.
وبينما تساعد الصين البلدان المتخلفة على تحسين البنية التحتية والخدمات العامة والحكم، تحاول الولايات المتحدة إثارة الاضطرابات الداخلية فيها لإقناع الناس باحتضان الولايات المتحدة، وتشويه المشاركة الصينية كأداة جيوسياسية في يد بكين، وبينما تملي الولايات المتحدة على الدول الأخرى بشأن نبل حقوق الإنسان وتحاول استخدام قضايا حقوق الإنسان كسلاح لتبرير تدخلها، تتخذ الصين إجراءاتٍ عملية للضغط على حقوق الإنسان التي تدّعي الولايات المتحدة أنها تتمسك بها، فتنفّذ مشروعاً تلو الآخر لتعزيز سبل عيش الناس في مختلف أنحاء العالم.
وتتجنّب الصين الزجّ بنفسها في مستنقعات جيوسياسية مكلفة كما فعلت الولايات المتحدة بشأن الصراع الروسي الأوكراني المستمر وأزمة الشرق الأوسط، بينما لم تشرح واشنطن قطّ للشعب الأمريكي الطريقة التي استفادت بها البلاد من “تجربتها الديمقراطية” التي استمرّت عشرين عاماً في أفغانستان، ومن العملية التي طال أمدها في العراق حيث أزهقت أرواح الآلاف من الأمريكيين.
على الرغم من أن الولايات المتحدة تتباهى بشبكة أكبر بكثير من الحلفاء في العالم، الأمر الذي يتطلب مدخلاتها للحفاظ على التماسك الخادع للشبكة، فإن ذلك يحدّ من مجالها الدولي إلى حدّ ما، حيث تقوم بتقسيم البلدان إلى دول أعضاء في النادي الأمريكي مع أنها ليست أعضاء فيه، في وقت يكون فيه التواصل الدبلوماسي للصين أوسع نطاقاً، حيث تسعى جاهدة إلى إقامة علاقات جيدة مع جميع دول ومناطق العالم على أساس المساواة والاحترام المتبادل والتعاون المربح للجانبين، وكلها تشكّل حجر الأساس للقوانين الدولية وقواعد النظام الدولي، ومن الطبيعي أن تتضاءل لعبة المحصلة الصفرية التي تروّج لها الولايات المتحدة مقارنة باقتراح بكين بجعل الكعكة أكبر للجميع، نظراً لصلة الاقتراح الأخير بالاحتياجات العملية للبلدان.
وفي كثير من الحالات، وخاصة بالنسبة للأغلبية العظمى من بلدان الجنوب العالمي، فإن نهج الصين القائم على عدم التدخل في العلاقات الخارجية، الذي يتمحور حول احترام سيادة الدولة، هو الذي يضع بكين على أرضية أخلاقية أعلى من واشنطن التي تتبنى شعار “أمريكا أولاً”، فالممارسات والاستثناءات تقلل بشكل خطير من قيمة الدبلوماسية الأمريكية.
وأخيراً وليس آخراً، مثل أي دولة أخرى، باستثناء الولايات المتحدة، تنظر الصين إلى الحرب باعتبارها خيار الملاذ الأخير، مدركة أنها الوسيلة الأكثر ضرراً، على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي، لحل تضارب المصالح بين البلدان، لذا، في حين تبذل الصين قصارى جهدها لاستخدام الوسائل الدبلوماسية لتجنّب الحروب، فإن الولايات المتحدة تفعل العكس والشيء الوحيد الذي أغفلته واشنطن في مهاجمة الصين وانتقادها هو تقليد الدبلوماسية الأمريكية.