رأيصحيفة البعث

الشعب أساس “الحصانة”

بشار محي الدين المحمد    

مع اقتراب استحقاق انتخابات مجلس الشعب، تثور دائماً مجموعة من الأفكار المتشابهة، لكن مع وجود طروح دراماتيكية تحاكي ما يخدم واقعنا ويوصله نحو جادة الأفضل، وخاصةً في ظلّ ما نعانيه من تداعيات الأزمة ومرارة الحصار.

إن السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم ضمن تلك الطروح: ما هي الصورة التي رسمها المرشح لعضوية مجلس الشعب لنفسه، هل هي صورة ذاك المواطن المتمتع بحصانة لدرجة أن يكون فوق القانون، أو بعيداً عن يد العدالة؟ أم ذاك الناطق باسم الجموع الغفيرة في تحقيق مطالبها الكثيرة؟ أو هو مجرّد ذاك الوديع، الصامت، الساعي نحو تحقيق مجموعة مطالب محصورة في دائرة شخصية، أو عائلية، أو أي دائرة أخرى خارج القانون والنفع والصالح العام؟

في الحقيقة على الجميع أن يعي حجم ومفهوم الحصانة الممنوحة لعضو المجلس وفق أحكام الدستور الذي نص على آلية معادلة لها تتمثل في الإذن من المجلس لرفعها عن العضو لدى ارتكابه أفعالاً جرمية، فالحصانة تُمنح لعضو المجلس لكي يطرح المشكلات تحت قبة المجلس، وليتمكن من الإشارة إلى مكامن الخلل، ولكن دون أن يبتعد عن غاية التشريع الأسمى في الدولة من منح هذه الحصانة، فهي ليست عاملاً لإعفائه من المسؤولية الجرمية في الجنايات أو الجنح أو المخالفات، كما أنها يفترض أن تحمي من يمارس طروحه ضمن جادة الصوابية والوطنية والمصلحة العامة دون أي شوائب قد تشوب مطالبه فتحرفها نحو الإساءة لكيان الدولة أو مؤسساتها أو تمس سلامة المجتمع وقيمه الأصيلة.

لقد أساء البعض إدارك مفهومي “الحصانة” و”الأذن” لدرجة استخدامهما للتستر على جرم مشهود، وهذا الأمر وإن صدر من أقلية في المجلس يفترض أنها في قمّة الوعي والغيرية، إلا أنه يعبّر عن مدى رغبتهم في حرف الغايات والآليات التي سُنت لصالح الشعب، صاحب السلطة الأساسية الذي فوّضهم وغيرهم من أعضاء المجلس للمطالبة بحقوقه.. لكن في النهاية لا يصحّ إلا الصحيح، ومتى استخدم أعضاء المجلس هذه الضمانات الممنوحة لهم كستار يعفي من المسؤولية الجرمية.. عندها لا بد من محاسبتهم، ولمسنا بوضوح حرص القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي على تجسيد مثال حي على تلك الحالة من خلال معاقبة كل من حاول عرقلة منح “الإذن” لرفع الحصانة “الإجرائية” لمحاسبة أحد الأعضاء المرتكب لـ”جرم مشهود”، فخفضت القيادة عضويتهم، معتبرةً ذلك عجزاً عن رفع الوعي الذاتي بالدرجة الأولى..

مهما تمتع عضو المجلس بالحصانة الموضوعية تحت قبة المجلس، أو تقييد رفع الدعاوى العامة بحقه بـ “الإذن”، فإن عضو المجلس سيبقى ممثلاً لمصالح الشعب ضمن الحدود المرسومة له، ضمن حدود الإنابة، فالحصانة أساسها سلطة الشعب، وبفضل هذه السلطة يحتفظ الشعب دوماً بحق المحاسبة.