ثقافةصحيفة البعث

يوم الموسيقا العالمي بين القدود الحلبية والمقطوعات الشرقية والغربية

غالية خوجة

تحتفل سورية، كعادتها، بالمناسبات الإنسانية المحلية والعربية والعالمية، كيف لا والشهباء أمُّ الأدب والطرب، ولها فنونها حتى في ثقافة الطعام وأشهرها “الكبب”، ولها شهرتها في تراثها المادي واللامادي، ومنها القدود والموشحات التي حضرت في احتفالية يوم الموسيقا العالمي التي أقامتها، وعلى مدى يومين وزارة الثقافة، مديرية التأهيل الفني، ومديرية الثقافة، ومعهد صباح فخري، ليستمتع الحضور بعزف إفرادي وجماعي لمقطوعات موسيقية وشرقية وأغانٍ من الزمن الجميل، وليتأمل بتلك الأصوات المفعمة بالتراث الموسيقي الفلكلوري والمعاصر.

واستضاف المركز الثقافي العربي بالعزيزية برنامج الاحتفالية المؤلف من أمسيتين قدم أولاهما طلاب صباح فخري، وثانيتهما فرقة التراث الشبابية، وعن أهمية الموسيقا ودورها، حدثنا جهاد غنيمة مدير المركز: “إنها لغة التخاطب بين البشر والأرواح والنفوس والقلوب، وهي ثقافة بشرية إنسانية، ومحور من توجهات عمل المراكز الثقافية، واهتمامها بمواهب الأطفال والجيل الشاب، لأن الاهتمام بالفن والموسيقا شأن لا يقل عن الاهتمام بالكتاب والكلمة، وللموسيقا دورها في تهذيب الإحساس، والتحليق في عالم الخيال، ما يبثّ الراحة والطمأنينة في نفوس الآخرين”.

وأضاف: “يتمتع الحضور بانسجام متناغم مع ما نقدمه، ولاحظنا هذا الانسجام بينه وما عزفته أنامل طلبة معهد صباح فخري من مقطوعات عالمية على البيانو والكمان والفلوت، بالإضافة إلى معزوفات تراثية شرقية وتخت شرقي بالكامل، وهذا التراث الفني الشرقي متواصل مع حفل اليوم الثاني لحناً ونغماً، ومستمر في حياتنا وأنشطتنا الفنية والثقافية”.

وعن هذه المناسبة، قال المايسترو عبد الحليم حريري رئيس فرع نقابة الفنانين بحلب، مدير معهد صباح فخري: “الاحتفال بيوم عيد للموسيقا هو إبراز لأهميتها في حياة الإنسان، ونحن كموسيقيين نعيش حياتنا وننظر لتاريخها العالمي والشرقي، ونرى تطور عظمتها، فنتحسر على ما وصلنا إليه من تقزيم للجمل الموسيقية، وظهور ألوان وأنماط غنائية لا تمت للموسيقا إلا بالاسم، فالموسيقا ليست أصواتاً يصدرها إنسان أو آلات موسيقية، بل هي أصوات بينها مسافات محددة، وجمل موسيقية منسقة ومتتالية، فيها روح البيئة، وتعبر عن صور وأحاسيس تلامس شغاف نفوسنا، وترسم صوراً وتعابير نحسها بعقولنا، لأن الموسيقا أصوات تستسيغها النفس، وترتاح لسماعها الآذان، وتشعّ طمأنينتها في الأرواح، وتجدّد إيقاعات القلوب، وتنعش الذاكرة”.

واسترسل: “ونقدم حفلاً لطلاب معهد صباح فخري ـ العربي سابقاً ـ التابع لوزارة الثقافة الذين تابعوا سنوات دراستهم على الرغم من كل الظروف الصعبة التي مرت على مدينتنا، ولقد وصلوا إلى مستوى ممتاز، وفي مثل هذه الحفلات، تنصقل المواهب وتتطور لتتمكن من امتلاك قدرة الظهور أمام الجمهور وإظهار إبداعها، وتطوير الموسيقا يكون عبر تمكن هؤلاء الموهوبين من إنتاج موسيقا جديدة تتلاءم مع زمانهم وبيئتهم، وشكراً جزيلاً لمدرسي المعهد جميعاً والإداريين الذين عملوا ضمن ظروف صعبة فأنتجوا هذه المواهب، وشكراً للأهالي الذين تابعوا أولادهم، والشكر الأكبر لهؤلاء الطلاب الذين بذلوا قصارى جهدهم للوصول إلى مستوى يليق بالظهور أمام الجمهور”.

بدوره، قال الأديب الدكتور فايز الداية، مستشار في مديرية الثقافة: “في يوم الموسيقا العالمي لا بد من أن تشارك حلب في أكثر من احتفال لأنها واحدة من عواصم هذا الفن، فهي متميزة بالطابع العربي خصوصاً، الموشحات والقدود والأغاني، ومنها انطلقت هذه الثروة إلى مصر في منتصف القرن التاسع عشر، ووجدت فرص التطور، واليوم، يمكن لأي زائر أن يسمع الألحان تتردد في كل الأمكنة بدءاً بباب جنين سوق الخضار والفواكه، وصولاً إلى أمسيات الأفراح وسهرات الأصدقاء، وبهذا تظل حلب مدينة الفن الجميل وزمن الجمال فيها مستمر ولم يتوقف عند حقبة أو تاريخ قديم، وهذا يؤكد خصوصية الموسيقا والغناء فيها”.

وتابع: “لعل الحالة الطربية في المدينة تكون مفتاحاً لمواجهة ما يبث من أصوات هنا وهناك في وسائط التواصل أو في حفلات سطحية الأداء، وأما هذه الاحتفالية فهي تعبر عن حضور الموسيقا والغناء في عمق تداولي، فمن جهة، نسمع فقرات من طلاب المعهد العربي للموسيقا بحلب، وهو يحمل اسم الفنان الراحل صباح فخري، وهذه مع متعة الطرب ونشوة الموسيقا تبرهن على سلسلة متصلة للأجيال حباً بالفن في حلب، ومن جهة ثانية، تقدم فرقة التراث الشبابية مجموعة من الهواة من أعمار يغلب عليها الشباب، تقدم معزوفات موسيقية وعدداً من القدود والموشحات، فهناك ستة من العازفين وثلاثة من المؤدين مطربة ومطربان، وهنا أيضاً، نجد الفن في مدى فسيح يكون رديفاً كبيراً للأداء المحترف لفناني حلب”.

وأضاف: “ومن الرؤية المديدة أن تحتفل الفرقة بأغنيات غدت من التراث القريب لأم كلثوم بألحان السنباطي والقصبجي وزكريا أحمد، وكذلك أعمال لمحمد عبد الوهاب، وبهذا تتوسع النظرة ويتطور الأداء والمستقبل مفتوح لاجتهادات الأجيال الجديدة”.