الانتخابات البريطانية.. ماذا بعد؟
ريا خوري
بعد جولة الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، حقق حزب العمال فوزاً ساحقاً بعدما اكتسح مئات المقاعد في جميع أنحاء البلاد وأنهى أربعة عشر عاماً من سيطرة المحافظين على السلطة في المملكة المتحدة. وتم تعيين السياسي والمحامي البريطاني كير ستارمر رئيساً للوزراء منذ 5 تموز 2024 الجاري، وهو زعيم حزب العمال البريطاني منذ شهر نيسان 2020 بعد أن أنهى حقبة شهدت إدارة خمسة قادة مختلفين من المحافظين للبلاد. وتسلّم مهام منصبه في 10 داونينغ ستريت من رئيس الوزراء المنتهية ولايته، ريشي سوناك، في أعقاب فوز كاسح لحزب العمال البريطاني على حزب المحافظين في الانتخابات العامة.
واعترف رئيس الوزراء السابق، بفوز حزب العمال وقال: إنه اتصل بستارمر لتهنئته. وفي خطاب النصر الذي ألقاه بعد دقائق من الفوز، وعد زعيم حزب العمال بـ(التجديد الوطني) وأنه سيضع المملكة المتحدة أولاً، والحزب ثانياً.
بعد أن فاز حزب العمال البريطاني بأغلبية المقاعد في مجلس العموم البريطاني، بات عليه القيام بجهود كبيرة من أجل تنفيذ التعهّدات التي تحدّث عنها في بيانه الانتخابي أمام الجمهور. فقد تعهّد حزب العمال بتوفير الأمن والاستقرار الاقتصادي من خلال قواعد واضحة خاصة بالضرائب والإنفاق المالي، وتشمل عدم زيادة معدلات ضريبة الدخل القومي للفرد البريطاني الحالية أو التأمين أو ضريبة القيمة والقيمة المضافة، وزيادة البدلات للعمل في عطلات نهاية الأسبوع والعمل المسائي، وتحسين الخدمات الصحية للبريطانيين. وإنشاء قيادة أمن حدود تتمتع بصلاحيات مماثلة لصلاحيات محاربة الإرهاب والإرهابيين بهدف وقف المهربين وعصابات الاتجار بالبشر، بالإضافة إلى معالجة السلوكيات المعادية للمجتمع البريطاني من خلال ثلاثة عشر ألف ضابط شرطة إضافي وضباط دعم مجتمعي، وخاصة في ويلز وإنكلترا، وتوظيف أكثر من ستة آلاف وخمسمائة معلم إضافي يساهمون في إنعاش العملية التعليمية، وتقديم نوادي إفطار مجانية في كل مدرسة ابتدائية في إنكلترا، وإنشاء شركة كهرباء لإنتاج الطاقة النظيفة تكون مملوكة للقطاع العام، بهدف الاستثمار في الطاقة النظيفة وخلق فرص عمل جديدة.
من جهةٍ أخرى نجد أنَّ القارة الأوروبية تتجه نحو اليمين الشعبوي المتطرّف في انتخاباتها التشريعية المحلية وانتخابات البرلمان الأوروبي، إلّا أنَّ بريطانيا قد اختارت بشكلٍ واضح وصريح الاتجاه يساراً في انتخابات مجلس العموم البريطاني، بعدما مُني حزب المحافظين بهزيمة ساحقة أمام حزب العمال الذي فاز بأغلبية برلمانية، منهياً أربعة عشر عاماً من حكم المحافظين.
فقد حصل حزب العمال البريطاني على أربعمئة وتسعة مقاعد من مجموع ستمائة وخمسين مقعداً، بينما حصل المحافظون على مائة وتسعة عشر مقعداً، وحصل الديمقراطيون الأحرار على واحد وسبعين مقعداً، واكتفى الحزب الوطني الاسكتلندي بثمانية مقاعد فقط، بينما حافظ حزب (شين فين) الذي تتزعمه ميشيل أونيل على مقاعده السبعة، وحقق هذا الحزب لحظة حاسمة في هذه المنطقة من أوروبا التي تسيطر عليها بريطانيا.
بعد انتهاء الانتخابات وظهور النتائج النهائية اعترف سوناك زعيم حزب المحافظين رئيس الوزراء بالهزيمة، وهنأ ستارمر، حين قال: (سيتم اليوم تداول السلطة في المملكة المتحدة بطريقةٍ سلمية ومنظمة وبحسن نية من جميع الأطراف، وهذا أمر ينبغي أن يمنحنا الثقة جميعاً في استقرار بلدنا واستمرارها)، مضيفاً: إنَّ الشعب البريطاني أصدر حكمه في هذا السياق، متحمّلاً كامل المسؤولية، بينما قال رئيس الوزراء الجديد: إنَّ الناخبين البريطانيين قالوا كلمتهم، وهم مستعدون للتغيير نحو الأفضل، وإنهاء سياسة الاستعراض التي كانت متبعة والعودة إلى السياسة بوصفها خدمة للجمهور.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام، لماذا اتجهت بريطانيا يساراً؟ وهو سؤال يتم طرحه مراراً على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة على عكس ما هو حاصل في أوروبا من صعود للتيارات اليمينية المتطرفة.
الحقيقة أن سوناك رئيس الوزراء السابق لا يتحمّل وحده إرث الأزمات الحادة المتلاحقة التي عصفت ببريطانيا خلال الأربع سنوات الماضية، وخاصة تلك المشكلات والأزمات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، أو بملف الهجرة بشكلٍ عام، وذلك أن هذه الأزمات ترافقت مع خمسة رؤساء حكومات في المملكة المتحدة منذ عام 2016، وأخيراً انفجرت في وجه سوناك الذي تولى الحكم في شهر تشرين الأول عام 2022، حيث لم يتمكّن من إقناع الناخبين بأدائه مع تزايد الإخفاقات الكبيرة التي وقع فيها، ما أدّى إلى تراجع شعبية حزب المحافظين البريطاني وتزايد الضغوط على حكومته، وخاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي، الذي وصل إلى مرحلة صعبة وارتفاع تكلفة المعيشة والإسكان وزيادة أسعار الوقود والغذاء، ونظام الصحة المتهالك، وتآكل القدرة الشرائية، كما لم يحقق سوناك الوعود التي كان وعد بها لمعالجة أزمة المهاجرين التي يتم اعتبارها من أهم الأزمات التي تعاني منها بريطانيا.
كل هذه العوامل أدّت دوراً في توجّه الناخب البريطاني نحو حزب العمال البريطاني على أمل التغيير نحو الأفضل.
من الطبيعي أن يعلن سوناك استقالته من منصبه بعد الهزيمة المدوّية لحزبه، لتنتقل بريطانيا إلى حضن حزب العمال، وبهذا يكون وجه بريطانيا قد تغيّر، على أمل أن يحقق العمال ما فشل فيه المحافظون، وعلى أمل أن تتغيّر سياسة بريطانيا تجاه العديد من القضايا ومنها قضايانا نحن في منطقتنا العربية، وتحديداً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والعدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين بموجب لقرار 194 الذي أصدرته الأمم المتحدة.