التراث ودوره في الشعر الفلسطيني وإبراز الهوية الثقافية
حمص- عبد الحكيم مرزوق
أقامت الجمعية التاريخية بحمص محاضرة بعنوان “التراث الشعبي الفلسطيني أصالة في الماضي والحاضر”، قدّمها أحمد سالم الذي استهل حديثه بالقول إنّ إحياء التراث الفلسطيني يأتي بقصد الحفاظ على الطابع الوطني للشعب، وعلى عروبة الأرض من خلال تدوين وتسجيل ملامح حياة المواطن بكل ما فيها من عادات وتقاليد موروثة، وأغان وحكايات وأقوال وأمثال شعبية، ومعتقدات، وممارسات يومية تشهد بأن هذا الإنسان هو ابن تلك الأرض العربية المحتلة.
ثم تحدث سالم عن الزي الفلسطيني وبصمته الواضحة في التراث الفلسطيني، فقد اشتهرت ملابس النساء بالتطريزات المتقنة ذات الألوان المميزة، والأشكال الهندسية اللافتة، فأعطت الثوب الفلسطيني جمالية خاصة، إذ توارث الفلسطينيون فن التطريز جيلاً بعد جيل، مضيفاً: “الثوب الفلسطيني النسائي يستخدم في الحفلات والمناسبات وخاصة في الأعراس، ويتميز زي الرجال بالكوفية، وهي حطة توضع على الرأس، وتكون باللون الأبيض والأسود، وأصبحت الكوفية اليوم رمزاً من رموز النضال الوطني الفلسطيني ضد العدو الإسرائيلي”، مشيراً إلى اشتهار المدن الفلسطينية بالتطريز وطابعه الخاص والمميز عن بقية أنواع التطريز المشهورة في سورية والأردن، وهو جزء من الفولكلور الشعبي الفلسطيني، توارثته الأجيال في عصر الكنعانيين منذ 4500 عام، ومن خلال الثوب تمكنت كل منطقة في فلسطين من التعبير عن طبيعتها وجغرافيتها ببراعة، فالتراث في المناطق الجبلية، يختلف عن المناطق الساحلية، ففي المناطق الجبلية يخلو الثوب من التطريز بسبب انشغال النسوة في أعمال الزراعة، وجلب المياه، أما في المناطق الساحلية فكان خليطاً من فن التطريز بسبب اختلاطهم بشعوب بلاد أخرى، ويوجد التطريز بغزارة في أثواب منطقتي بئر السبع ووسط فلسطين.
ورأى المحاضر أن الدبكة الفلسطينية لها طابع خاص، فهي تعتمد على الآلات النفخية، ونوه بالصناعات الحرفية التقليدية التي تمثل جزءاً من التراث الفلسطيني، وبالأكلات المشهورة ومنها النابلسية، كما تحدث عن الأمثال الشعبية التي تنتمي إلى التراث اللامادي والتي تتوافق مع القيم الأخلاقية للشعب الفلسطيني، وتعبر عن الشخصية الفلسطينية، وبين أن هذه الأمثال تتشابه في بلاد الشام إلى حد التطابق أحياناً، فالمضمون واحد لكن الكلمات تختلف تبعاً للهجة المحلية بكل قطر، بالإضافة إلى تشابه الأغنيات الشعبية في العتابا والميجنا، كذلك الأمر في العادات والتقاليد والطقوس المصاحبة للأعياد، حيث تأخذ الاحتفالات طابعاً خاصاً من خلال أنواع الحلويات المتميزة بالتراث الفلسطيني، والاحتفالات المصاحبة لمواسم الحصاد، والتي كان لها الكثير من الدلالات في التراث الفلسطيني وفي بلاد الشام.
ونوه سالم بالاحتفال بيوم التراث الفلسطيني الذي يصادف في السابع من تشرين الأول من كل عام، حيث يتمّ إحياء مظاهر التراث الفلسطيني رداً على محاولات الكيان الصهيوني تشويه التراث الفلسطيني من خلال سرقته وطمس معالمه، وأكد على أن الحفاظ على التراث الفلسطيني يعني الحفاظ على وجود الشعب للفلسطيني الذي يتعرّض لحملات التهويد والتهجير يومياً على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، وقال: “صراعنا مع العدو صراع على الأرض وعلى هوية الأرض، والعدو يصارع على سرقة الهوية والتاريخ والتراث الفلسطيني الممتد عبر التاريخ منذ قدم هذه الأرض للمباركة”، موضحاً أنّ سرقة التراث الفلسطيني من قبل العدو الإسرائيلي هي محاولة لإثبات وجوده في أرض فلسطين من خلال سرقة اللباس واللغة، والعملة الكنعانية القديمة، وسرقة الأحجار الكريمة الكنعانية القديمة ويقوم بنقش عبارات عليها، وسرقة المأكولات الفلسطينية كالحمص والفلافل والقصص التراثية الفلسطينية، كما تحدث عن الاعتداء على الثقافة الفلسطينية وعلى اللغة والتاريخ والتراث الفكري والأدبي الفلسطيني، وبيّن: “لذلك جاء توظيف التراث في الشعر المقاوم والأغنية، والحكايا، والأمثال، والمعتقدات، والعادات والتقاليد الشعبية، واستخدام التراث وتوظيفه في الشعر الفلسطيني له قيمة فنية إلى جانب مشاركته في إبراز الهوية الثقافية الوطنية، وفي مواجهة المخاطر التي تهدّد الذات العربية الفلسطينية”.
وختم سالم محاضرته بالقول: “إن الشعراء الفلسطينيين وظفوا التراث في نصوصهم الشعرية وربطوه بالواقع الفلسطيني والصراع مع كيان الاحتلال الذي يسعى جاهداً إلى تزييف التراث الفلسطيني وتهويده، دعماً لمزاعمه الباطلة حول أحقية وجوده في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.