ثقافةصحيفة البعث

القوة الناعمة وطوفان الأقصى

أمينة عباس

القوة الناعمة “الفن” ذاكرة الشعوب، وأعظم أحداث الدنيا وصلت إلى الأجيال عبر صورة أو لوحة فنية مرسومة بيد مبدع كانت قادرة على أن تتجاوز الحدود واللغة، ولأن معركة “طوفان الأقصى” تحمل من الأحداث والأهوال والبطولات التي تصنع عشرات الأعمال الفنية الناجحة والتي لن تجد لها نظيراً قديماً وحديثاً حرصت “أكاديمية دار الثقافة” بالتعاون مع المركز الثقافي الروسي في دمشق على عقد ندوة، مؤخراً، حملت عنوان “الفنون وطوفان الأقصى” بمشاركة الفنانين التشكيليين محمود خليلي ومحمد الركوعي والمصور السينمائي موسى مراغة.

يقول الكاتب الدكتور حسن حميد الذي أدار الندوة: “بالنظر إلى تاريخ الشعوب، وبالتحديد تاريخ الحروب نجد أن الأعمال الفنية التي صوّرت الأحداث كثيرة، ولعلّ أبدعها لوحة الـ”غارنيكا” لـ”بيكاسو” التي صوّرت الحرب في إسبانيا في الثلث الأول من القرن العشرين، وكذلك منحوتة اللقالق البيض في هيروشيما التي ترمز إلى تحول الشهداء للقالق ترتدي البياض في تحليقاتها البديعة”، متسائلاً عن حصيلة الأعمال التي أُنجزت خلال الشهور الفارقة زمناً وحالاً في معركة طوفان الأقصى للتعبير عن المعاناة الهائلة وهمجية التوحش التي لم تعرفها الشعوب قبلاً في أي منطقة في العالم: “نريد من هذه الندوة أن تستنبط ما في دواخل النفس الفلسطينية التي أوقفت حياتها من أجل خدمة المعنى الإنساني عبر الفنون التي تغني عن الكلام والكتابة”.
ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبته الفنون في الدفاع عن القضية الفلسطينية والتعبير عن كل الآلام والأوجاع، لذلك توقف الفنان محمود خليلي في مشاركته عند ما أنجزه الفن التشكيلي والمسرح والسينما والغناء والدراما التلفزيونية داخل الأراضي المحتلة والشتات قائلاً: “لم يكن الفنان الفلسطيني في يوم من الأيام هامشياً ومنعزلاً عن قضيته، بل كان خير ممثل ومعبّر عن أحلام شعبه في التحرير والعودة، مسخراً إبداعه في فضح زيف الاحتلال وممارساته الهمجية، مدركاً دوره في التعبير الصادق لنقل الحقيقة، الحامل لفكرتي التثوير وبث الأمل، وقد كان الفنان في كلّ مفصل في سياق التجربة الفلسطينية يعيد ترتيب أوراقه ويستعيد نشاطه ولياقته ويبحث عن الخاص في كل مرحلة، ليستقي منها أفكاره ورموزه من دون أن يكون العدو غافلاً عما يصنعه الفنانون، فعمل على إرهابهم وملاحقتهم وسجنهم، ومع هذا كان الفنان الفلسطيني في الداخل والشتات يواجه محاولات العدو، موظفاً فنّه في فضحه ومواجهته، لتأتي عملية طوفان الأقصى وتعيد ضخّ الدم المتوقف في شرايين البعض من الفنانين وتعيد تصويب المسار باتجاه الوطن ما دام محتلاً”، ويضيف: “منذ البداية سارع الفنانون لرصد هذا الحدث الأسطوري ومواكبة ما يجري بكل وسائل التعبير المتاحة لتجسيد الحقيقة بأشكالها المختلفة وليعبّروا عن وحشية العدو وصمود المقاومين وصبر وثبات الأهل من المدنيين، ملتقطين عمق الواقع المعاش من دون نسيان بث الأمل على الدوام”، مذكّراً بالمَعارض التي أقامها فنانون في بعض الدول العربية والأجنبية لمواكبة الحدث والتعبير عنه، كذلك رفع شعار فلسطين والتضامن مع غزة في العديد من المهرجانات المسرحية العربية كمهرجان المسرح العربي في بغداد ومهرجان قرطاج، إلى جانب إنجاز عروض مسرحية تناولت غزة وطوفان الأقصى، وإعادة عرض بعض المسرحيات في الداخل الفلسطيني.
وعند ثلاث علامات بارزة وفاعلة في النتاجات التي رافقت طوفان الأقصى يقول خليلي: “كان هناك تأثير كبير للأغنية السويدية “تحيا فلسطين أو تسقط الصهيونية” للفرقة الكوفية السويدية- العربية والتي كتبها الفلسطيني جورج توتاري مؤسس الفرقة وقدمت أول مرة عام 1976 وأعيد إحياؤها واستثمارها من جديد في طوفان الأقصى حيث ألهبت حماس المتضامنين مع غزة في الكثير من ساحات العالم، مع حضور كبير ومؤثر للصورة التي وثّقت يوميات الطوفان الحقيقية، سواء بكاميرات احترافية أم كاميرات هواة، إلى جانب صناعة أفلام من المسافة صفر من قلب غزة، فكرة وإشراف المخرج السينمائي الغزاوي رشيد مشهراوي”.
ولأن المثل الصيني يقول “صورة واحدة تعادل ألف كلمة”، تحدث المصور السينمائي موسى مراغة في مشاركته عن بدايات استخدام الصورة في المشروع النضالي الفلسطيني بهدف التوثيق في ظل أحداث وفعاليات تجري وشهداء وعمليات عسكرية كان يجب أن توثّق، فرافقت الصورة مسيرة النضال الفلسطيني في الخارج والداخل، وقد ازداد حضورها في انتفاضة الحجارة في نقلها للواقع إلى الآن: “صورة الطفل محمد الدرة، الشهيدة الرضيعة إيمان حجو، الطفل فارس عودة”، ويضيف مراغة: “في عصر انتشار الفضائيات ووسائل التواصل والسوشيال ميديا لعبت الصورة في ملحمة طوفان الأقصى دوراً كبيراً إعلامياً وإخبارياً في نقل الأحداث بشكل مباشر وكأداة في الحرب النفسية، بعثت المقاومة من خلالها رسائل إلى الداخل الصهيوني وإلى جمهور المقاومة وإلى الرأي العام العالمي، وأشاعت التفاؤل والأمل واليقين بالانتصار على هذا الكيان الغاصب، فكانت الكاميرات حاضرة ومثبتة في طوفان الأقصى على فوهات بنادق رجال المقاومة، وقد أظهرت بسالتهم وارتباك وذعر جنود العدو، ونشرت مشاهد الدمار والقتل والإبادة الجماعية التي يمارسها العدو، فأحدثت انقلاباً في المزاج لدى شعوب أوربا وأميركا والعالم بأسره دعماً للقضية الفلسطينية”.
وتناول الفنان التشكيلي محمد الركوعي تجربته في الرسم في سجون العدو بعد أن حُكِمَ عليه بالسجن المؤبد قضى منها 14 عاماً وكيف وجد ضالته في الرسم، فكانت المخيلة تضجّ بالرسم والألوان: “رسمت أول لوحة صغيرة في السجن على طرف رسالة بيضاء، وبعد ذلك صرت أرسم على مناديل قماشية بيضاء بسرية كاملة، وفي أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات بلغت أعمالي 300 لوحة أخرجتها من دون علم إدارة المعتقل، فقامت بعض المَعارض الوطنية بعرضها ونالت إعجاباً وتقديراً وشهرةً امتدت إلى أنحاء العالم، وفي عام 1984 قبل الإفراج عني أقام لي المركز الثقافي الروسي بدمشق معرضاً تكريمياً لأعمالي، وحين أطلق سراحي في العام 1985 في عملية تبادل أسرى في جنيف قدمتُ إلى دمشق، واليوم أدير مركز الجليل للفنون اليدوية الفلسطينية والتراث الشعبي”، ويؤكد الركوعي الدور الكبير للفنون في الحرب على العدو قائلاً: “لم يقصّر الفنان الفلسطيني في الدفاع عن قضيته في يوم من الأيام، وأنا مارسته عملياً أثناء سجني وما زلت، وأملك مئات اللوحات التي وثّقتُ فيها ما يحدث في فلسطين، لذلك كان من الطبيعي وأمام حدث كبير كطوفان الأقصى أن يوظف أي فنان فنه تعبيراً عما يحدث من خلال المعارض التي أقيمت والتي لم يكن فيها الفنان السوري بمنأى عنها كعادته في الدفاع عن القضية الفلسطينية”.