“من النمسا إلى إسبانيا”.. غزوان الزركلي يعزف في دار الأوبرا
ملده شويكاني
من انعكاس ضوء القمر على بحيرة لوسيرن، استوحى بيتهوفن السوناتا الشهيرة “ضوء القمر” التي لُقبت بـ”الحزن النبيل”، واستهل الدكتور غزوان الزركلي الحركة الأولى بعزفه الرائع، فانسابت نغماتها الرقيقة ليصل إلى القفلة الجميلة بتتابع وقفات هادئة، وقد أضافها الزركلي إلى برنامج اليوم الثاني من أمسيته بعنوان “من النمسا إلى إسبانيا” في دار الأوبرا على مدى يومين.
جمعت الأمسية بين الموسيقا الكلاسيكية والإسبانية بمقطوعات متنوعة، فبعد بيتهوفن عزف لـ موتسارت الذي اتسمت موسيقاه بالفرح والبهجة سوناتا ـ مقام لامينور- مصنف رقم 310(1778) بثلاث حركات، الأولى معتدلة السرعة ببداية حيوية ساحرة وبتمازج صوتين، تبعتها الحركة الثانية متهادية وغنائية بألحان أكثر جمالية، أما الحركة الثالثة فكانت حركة سريعة جداً.
وتغيرت الأجواء مع شوبرت، سوناتا مقام لاماجور ـ مصنف رقم 664(1819) بموسيقا أقوى، إذ استخدم فيها الزركلي تقنيات البيانو وجاءت بزخم موسيقي في مواضع من خلال الحركات الثلاث، الأولى حركة معتدلة السرعة تلتها حركة متهادية جميلة جداً، لتأت الحركة الثالثة السريعة وتخللتها مواضع قوية وصاخبة.
وعلى الرغم من أن هذه الأعمال من المرحلة الكلاسيكية، لكنها كانت قريبة من الجمهور الذي أنصت إليها بشغف، وكانت الموسيقا الإسبانية في القسم الثاني كانت أكثر عذوبة وقرباً من الذات، إذ تتالت مقطوعات من أنماط موسيقية مختلفة بدأت بالبسيطة إلى الأكثر عمقاً، منها مجموعة المقطوعات التي عكست عراقة التاريخ ورقي الحضارة وروح الشرق في إسبانيا، للمؤلف إسحق إليبيز بوجود اختلافات لحنية من حيث المقام والقفلة والتقنيات، وهي: قرطبة من مقام ره مينور، ومقطوعة من “ملقة” مقام كرد لا، ومدينة الباب من مقام ره –b- ماجور.
الفاصل بالأمسية هو المقطوعة الحزينة التي بدأت حزينة ومن ثم تخللتها ضربات حادة “ذكرى- على قبر كلود ديبوسي” مقام كرد لا للمؤلف مانويل دي فايا.
لتنتقل أجواء الأمسية إلى حالة درامية تخيّلية مع مقطوعة رقصة الطحان من مقام كرد مي من باليه “القبعة المثلثة” الموسيقا المرتبطة بالشخصيات وأدوارها والتي تكرر فيها جزء من اللحن، وجاءت رقصة النار للمؤلف ذاته مانويل دي فايا أكثر سرعة وقوة وحدة لاسيما في مواضع معينة.
المقطوعة الأجمل هي المقطوعة الشهيرة جداً “أستورية” من مقام صول مينور للمؤلف إسحق إليبنز التي وظّفت سينمائياً وعزفها بعض الموسيقيين على الغيتار، فأصغى الجمهور إلى عزفها على البيانو وقد أضفت تأثيرها الساحر على الأمسية.
ورداً على التصفيق الحار عزف الزركلي مقطوعة صغيرة إهداء للجمهور، الجميل بأن دار الأوبرا سجلت الأمسية على “سي.دي” احتفاء بالعازف العالمي الدكتور الزركلي.
ومن المعروف أن الدكتور غزوان الزركلي عازف بيانو ومؤلف وكاتب، يزور الوطن في كل عام، وقدم أصعب مقطوعات الموسيقا الكلاسيكية في أمسياته السابقة، وفي العام الماضي نوّع بخياراته ليقدم موسيقا أقل صعوبة، فأوضح في حديثه مع “البعث” أن هذه الأمسية تعد توليفة ممتعة شاملة للحقبة الكلاسيكية من خلال أعمال ثلاثة من العباقرة في فيينا بيتهوفن وموتسارت وشوبيرت، هم رموز الموسيقا الكلاسيكية، وإسبانيا المدرسة القومية بالعصر الذي تلا الكلاسيكية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إذ أخذت الموسيقا طابع الكلاسيك بمعنى مختلف لما اتسمت به من تقاليد ومهارات وصنعة، وفي الوقت ذاته أخذت من الفلكلور وخصوصية المكان، ما انعكس على تأثرنا بالموسيقا الإسبانية لكونها الأقرب إلى موسيقانا بالتعبير والإحساس، وتتصف هذه الأمسية عامة بمهارات عالية لكن من دون تعقيد وليست طويلة، والمقطوعات ممتعة وأكثر سهولة وأكثر قرباً من الجمهور.
وعن حضور مقام كرد بدرجاته من خلال مقطوعات عدة في قسم الموسيقا الإسبانية، عقب الزركلي بأن مقام كرد هو المقام الأساس في إسبانيا، إلى جانب الحجاز والنهاوند، بما يعني الموسيقا الشرقية التي لا يوجد فيها ربع صوت.
وسيتابع الزركلي رحلته الموسيقية بإقامة أمسياته في ألمانيا وفرنسا في الأشهر القادمة من هذا العام.