دراساتصحيفة البعث

حزب العمال البريطاني يعود إلى السلطة من أوسع أبوابها

هيفاء علي

قام ملك بريطانيا تشارلز الثالث رسمياً بتعيين زعيم حزب العمال والمحامي السابق كير ستارمر رئيساً للوزراء خلال اجتماع في قصر باكينغهام، إثر فوز حزبه في الانتخابات التشريعية بالأغلبية المطلقة، بعد 14 عاماً من سيطرة المحافظين على السلطة.

ومنذ 2010، أثار تعاقب الأزمات، من الانقسامات الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي في كانون الأول 2020، إلى إدارة جائحة كورونا، فضلاً عن الأسعار المرتفعة ومستويات الفقر العالية والنظام الصحي العام المتهالك والتغيير المستمر لرؤساء الحكومة، تطلّعاً كبيراً إلى التغيير، ما دفع المحافظين إلى الإقرار بأنهم لا يسعون للفوز وإنما فقط للحدّ من حدّة فوز “العمال”.

ويعدّ مراقبون ستارمر شخصية غير نمطية في السياسة البريطانية، بشعره الرمادي، وأسلوبه الصارم، ونبرته الهادئة، ومنهجيته الدائمة في العمل. فبعيداً عن مغامرات بوريس جونسون وليز تروس، واليساري جيريمي كوربين، أو حتى اليميني المتطرف نايجل فرج، يبرز زعيم “حزب العمال” بقدرته على التقدم بخُطا أكثر تمهلاً وحذراً.

وقد تولى ستارمر قيادة “العمال” خلفاً للاشتراكي المخضرم جيريمي كوربين بعد أن تعرّض الحزب في 2019 لأسوأ هزيمة له منذ 84 عاماً، فأعاده إلى الوسط. ولم يتوانَ في تسليط الضوء على أصوله المتواضعة لإظهار مدى اختلافه عن نظرائه في المشهد السياسي، ودرس ستارمر القانون في جامعة ليدز قبل أن ينتقل إلى أكسفورد.

بعد حصوله على شهادة المحاماة، تخصّص ستارمر في الدفاع عن حقوق الإنسان، ونشط لعدة سنوات في الدفاع عن النقابات ومكافحة عقوبة الإعدام. ومن ثم، دافع عن المحكوم عليهم بالإعدام في جزر الكاريبي، وكذا المعركة ضد ماكدونالدز في قضية وضعت عملاق الوجبات السريعة الأمريكي بمواجهة المدافعين عن البيئة.

وعمل على اتخاذ إجراءات قانونية ضد انتهاكات حقوق الإنسان خلال الصراع في ايرلندا الشمالية (1968-1998)، وساهم مطلع 2000 في إنشاء قوة شرطة جديدة لحفظ السلام.

في 2008، أحدث المفاجأة حين اتخذ أول منعطف في مساره المهني، حيث أصبح مدعياً عاماً لإنكلترا وويلز. وأشرف من خلال هذا المنصب على ملاحقات قضائية طالت نواباً متهمين بالاختلاس وحتى صحفيين متهمين بالتنصّت على الهواتف.

ولتفادي هجمات اليمين وتبديد وقع برنامج سلفه جيريمي كوربن الباهظ التكلفة، تعهّد ستارمر بقيادة إدارة صارمة للغاية للإنفاق العام، من دون زيادة الضرائب. وهو يعوّل في هذا الإطار على استعادة الاستقرار والتدخلات من الدولة واستثمارات في البنية التحتية لإنعاش النمو، ما من شأنه تصحيح وضع المرافق العامة التي تراجع أداؤها منذ إجراءات التقشّف في أوائل 2010، كما يريد أن يظهر حازماً في قضايا الهجرة وأن يقترب من الاتحاد الأوروبي، لكن دون الانضمام إليه، محذراً في المقابل من أنه لا يملك “عصا سحرية”، الأمر الذي ظهر أيضاً لدى البريطانيين الذين أظهرت استطلاعات الرأي أن لا أوهام لديهم بشأن آفاق التغيير.

وقامت حملته حول وعد من كلمة واحدة هي “التغيير”، مستغلاً الغضب من حالة الخدمات العامة المنهكة وانخفاض مستويات المعيشة. لكن لن يكون في يده إلا القليل من الأدوات التي يمكنه استخدامها، لأنه من المتوقع أن يبلغ العبء الضريبي أعلى مستوى منذ 1949، وأن يعادل صافي الدين تقريباً الناتج الاقتصادي السنوي.

وبمناسبة مرور مائة عام على تسلّم حزب العمال السلطة في بريطانيا للمرة الأولى عام 1924، يعود الحزب المحسوب على يسار الوسط ليترأس السلطة التنفيذية في تموز الحالي، بعد فوز كبير حققه بالانتخابات التشريعية، وذلك بعد غياب الحزب عن السلطة حوالي 15 عاماً ترأس خلالها حزب “المحافظين” الحكومات البريطانية المتتالية.

في عام 1900، أنشأ مؤتمر النقابات العمالية وحزب العمال المستقل (الذي تأسس عام 1893) لجنة تمثيل العمال، التي حملت اسم حزب العمال في عام 1906. وفي عام 1918 أصبح حزباً اشتراكياً يتمتع بدستور ديمقراطي. وبحلول عام 1922 حل محل الحزب الليبرالي باعتباره حزب المعارضة الرسمي بوجه حزب المحافظين، وفق موسوعة “بريتانيكا” العلمية.

وقد تشكّل حزب العمال “نتيجة سنوات عديدة من نضال أفراد الطبقة العاملة والنقابيين والاشتراكيين، الذين اتّحدوا بهدف تمثيل أصوات الطبقة العاملة في البرلمان البريطاني”، حسب الموقع الرسمي للحزب.

خرج حزب العمال من السلطة منذ عام 1935 ليعود إليها في عام 1945 مع حكومة كليمنت أتلي (حتى عام 1951) الذي تمكّن من الانتصار على زعيم بريطانيا في الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل.

أدخلت حكومة أتلي نظاماً للرعاية الاجتماعية، بما في ذلك الخدمة الصحية الوطنية، وتأميماً واسع النطاق للصناعة. استعاد حزب العمال السلطة في عهد هارولد ويلسون (1964 -1970) وبعد ذلك جيمس كالاهان (1974 -1979)، لكنه تعثر بسبب المشكلات الاقتصادية وتدهور العلاقات مع حلفائه النقابيين. في عام 1983 أدّى برنامج مايكل فوت الراديكالي إلى هزيمة ساحقة لحزب العمال. حرّك نيل كينوك الحزب نحو الوسط، ولكن في عام 1997 فقط نجح توني بلير بأجندته “حزب العمال الجديد” في إعادة حزب العمال إلى السلطة.

حكم حزب العمال لمدة 13 عاماً مع بلير رئيساً للوزراء حتى عام 2007، عندما خلفه غوردون براون قبل أن يخسر أغلبيته في الانتخابات العامة عام 2010 لمصلحة المحافظين.

ومع فوز حزب العمال الساحق، بالانتخابات التشريعية وحصوله على الأغلبية المطلقة في البرلمان البريطاني، عاد الحزب مجدّداً إلى السلطة ورئاسة الحكومة بقيادة زعيمه ستارمر.

وفي أول يوم له في رئاسة الحكومة البريطانية، أنهى ستارمر خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا التي أقرّها سوناك وسنً لها “قانون رواندا”.