الاستئناس كحالة وعي وثقافة انتخابية
مروان حويجة
كلنا يجمع على الاستئناس وأهميته وضرورته بعناوين ووصوفات برّاقة، ولكن في سيرورته وصيرورته، نبتعد عن حيثيات وموجبات هذه الأهمية ، لأنه عندما يتعاطى أي مرشح مع الاستئناس الحزبي بشيء من التساهل، وبشيء من الرومانسية والقدرية وبالذهنية النمطية الكلاسيكية العابرة لكل تحديات الاستئناس وموجباته التي لا يمكن القفز فوقها في هكذا استحقاق مفصلي محتدم وساخن، وأيضاً من يدخل الاستئناس، بتصورات مسبقة وجاهزة وحالمة بفرز و غربلة وتحييد سريع وعاجل ” منتظر وحتمي ” لاعتبارات المحسوبية والمال والنفوذ والجاه و الولاءات وغيرها وكأنها ” لمسة سحرية أو كبسة زر” ، فمن البديهي أن يجد نفسه “حالماً” أيضاً أن الإزاحة واقعة لا محالة، بقرار، أو توجّه، أو تعليمات، وبالتالي من البديهي والطبيعي ألّا يكون سيّد الساحة ومستفرداً بالمساحة دون أن يشتغل على نفسه أو يعذّب حاله، أو يحرّك ساكناً في استحقاق الاستئناس ، فإنه هو الآخر سبب، ومطيّة من حيث يدري أو لا يدري لصعود وفوز الحالم بإزاحتهم المتخيّلة، رغم أنّه يتمتع بأهلية تنافسية كاملة لهكذا استحقاق، وأيضاً هناك من يسلّم مسبقاً – للأسف – أنّ بعض الأسماء المرشحة لا يمكن مجاراتها ومنافستها فيضيع هو نفسه ، ويضيّع معه أصواتاً على حساب احتمالية حصول خيارات ومفرزات أفضل تصبّ في مخرجات استحقاق الاستئناس، وإلّا بماذا نفسّر وكيف نقرأ فوز مرشحين موصوفين بالمجتهدين و المستحقين والمتفانين والمثابرين، برغم احتدام التنافس الذي شهده الاستحقاق، لكنهم برغم كل التحديات والاعتبارات غير المتكافئة، كسبوا أصوات رفاقهم ونالوا ثقتهم و نجحوا في الاستئناس ولم يخذلهم رفاقهم ، ولم يكن سبيلهم إلى ذلك – لا المحسوبية ولا المال و لا ماشابه ذلك من مشابهات وشائبات – وهذه حالة محورية جوهرية يمكن ويستوجب التوقف عندها ملياً و تدارسها وتحليلها، واستخلاص الدرس منها، أنّ المرشح الذي كان أول الواثقين بنفسه وبجدارته وكفاءته ورصيده المعنوي الاجتماعي والوجداني بين رفاقه ، واشتغل على نفسه في الاستحقاق بثقة مشروعة ومشرعة، فقد كان ندّاً حقيقياً و قوياً في الاستئناس ونتائجه، وفي نفس الوقت كان هو ذاته الرفيق البعثي الجدير الذي قطع الطريق على غير الكفء من مرشح مستقوِ بمال ونفوذ ومحسوبية واعتبارات ضيقة وأمراض اجتماعية وغيرها، وبالتالي عندما نجلد ذاتنا كثيراً في مآل الاستئناس و مجرياته ومخرجاته، فأعتقد أنّ المقولة العامية الشائعة المتداولة ” الزائد أخو الناقص ” يمكن أن تنسحب على تعاطينا مع الاستئناس، لأنّ ندب الحظ و كيل اللوم والعتب والاتهام، وإلقاء المسؤوليات لا تجدي نفعاً في أية عملية انتخاب واستئناس، بل قطع الطريق على غير الجدير وغير الكفء بالصوت وليس غيره، وهذا الصوت هو صوتنا الذي يصنع الفارق، ويُحدث الفرق، ولا ننسى أنّ صوتنا أمانة ، إذاً نحن جميعاً أمام مسؤولية هذه الأمانة، وليس هناك أي أحد بمنأى عن هذه المسؤولية. وأما محاولة البعض المتعثّر الهروب إلى الأمام، بتكرار مقولة أنّ تجربة الاستئناس الحزبي لم تنضج بعد، فهذه مرفوضة لأن الاستئناس مطلب البعثيين وخيارهم الذي تمسكوا به في كل الجلسات واللقاءات الحوارية، ولكن لنعترف أنّ العملية تتصل برمتها بحالة وعي وثقافة انتخابية وتعبير مسؤول عن الممارسة الحزبية التي يفترض أن تأتي داعمة ومعزّزة للممارسة الديمقراطية، وهذا لابدّ أن ينعكس على صورة وحضور الحزب في المجتمع من خلال ممثليه إلى مجلس الشعب وغيره من المجالس، وهذا ينطوي ضمن التحديات المطروحة أمام الاستئناس, ومسؤولية المستأنسين في الحفاظ على الاستئناس كونه حالة حضارية، وحالة ديمقراطية ينتج عنها فوز مرشحين وخسارة آخرين، وعندما يكون لسان حال الجهاز الحزبي تطلعه إلى فوز الأكثر تواصلاً وتفاعلاً مع القواعد والمجتمع كحالة فاعلية، فإن ما يفرزه الاستئناس من حالات خارجة عن سياقات الإجماع لجهة المحسوبية والمال السياسي والولاءات على حساب الانتماءات، وعلى حساب الخبرة والكفاءة والنزاهة والالتزام الحزبي فنحن حتماً أمام أسئلة وجدانية مطروحة بجدية على جميعنا دون استثناء، ولا مهرب من الإجابة عليها بكل صراحة وشفافية ليكون الاستئناس استحقاقاً ناضجاً نوعياً لتكافؤ الفرص بين الجميع، وبدون أية مظلمة لأي رفيق مرشح و لكل مستأنس ولكل جماهير الحزب.