“شآم التاريخ والحضارة”.. توثيق التراث بالريشة واللون
ملده شويكاني
هذي دمشق… وهذي الكأس والراح
إني أحب… وبعض الحب ذباح
أنا الدمشقي… لو شرحتم جسدي
لسال منه عناقيد… وتفاح
هذه الأبيات من القصيدة الدمشقية للشاعر نزار قباني نثرتها الفنانة رغدة بكور على جدار سوق الحميدية باللون الذهبي والأسود بأسلوبها التعبيري، فكانت ضمن اللوحات التي وثّقت معالم دمشق وتغنّت فيها بين الواقعية والتعبيرية والرمزية في معرض فريق شآم بعنوان “شآم التاريخ والحضارة” بإشراف الفنانة التشكيلية رغدة سعيد بالتعاون مع المنتدى الثقافي العراقي.
وافتتح المعرض رئيس المنتدى الدكتور محمود شمسة وأمين سر قيادة قطر العراق منى هيلانة، والمشرفة رغدة سعيد، بحضور عدد من الفنانين والإعلاميين والمهتمين.
عُني المعرض بتوثيق التراث المادي واللامادي لدمشق بالريشة واللون برؤية كل فنان على حدة، وهيمن الأسلوب الواقعي المتّبع برسم حارات دمشق وبيوتها ونوافذها وأسواقها مثل لوحات محمد دبور، كما تألقت لوحات الفنان علي السعدي، في حين اتجه آخرون نحو الرمزية.
ولم يقتصر المعرض على رسم دمشق فقط، إذ حظي بلوحات جسّدت مشاهد طبيعية مستمدة من ريف دمشق، مثل لوحة مروة البرقاوي، كما جسد آخرون مواقع من آثار سورية وحضاراتها المتعاقبة.
ومن زاوية أخرى تميّز بأفكار شبابية على صعيد الفكرة والمشهد البصري، ولاسيما بتصوير الأنثى، فتنوعت التقنيات بأسلوب بسيط بتوظيف الكولاج ومواد مختلفة ضمن العجينة اللونية بألوان الإكليريك والزيتي، بالتركيز على اللونين الأزرق ودرجات البنفسجي في لوحات عدة دلالة على سنوات الحزن التي ألّمت بسورية وعلى الرغم من ذلك تخطت آلامها ونهضت من جديد. وكان الخطّ العربي حاضراً بلوحات منفردة بجمل تبوح بعشق دمشق، وبإقحامه مع عناصر تكوينات اللوحة في أعمال أخرى.
وخلال تجول “البعث” بأرجاء المعرض توقفت مع سلام النجار التي اختارت شخصية الحكواتي أحد رموز التراث الدمشقي بأسلوب تعبيري على خلفية حائط المقهى والكتب المتراصة إلى جانب الصور المعلقة على الحائط بألوان الزيتي.
في حين تناولت سارة روز محاحي دمشق بطريقة رمزية، فاختارت العين مرآة النفس ورسمت داخل الحدقة السيف الدمشقي، مضيفة العروق الدقيقة للعين على شكل أغصان حبات الياسمين.
أما شام طلس فأخذت جزءاً من كلّ، إذ رسمت نافذة إحدى غرف البيت الدمشقي العريق محاطة بالورود ومظهرة الستارة الزرقاء خلف الزجاج، واستخدمت الألوان الواقعية للمشهد متأثرة إلى حدّ ما بالفنان ناثر حسني، كما خطت على لوحة صغيرة جداً جملة “حبي لك يا شام بلا حدود”.
وهناك كثيرون ربطوا بين الأنثى ودمشق بروابط قوية تخللتها مفردات التراث الدمشقي، إذ رسمت سالي صافيا بأسلوب تعبيري الأنثى من الخلف مرسلة ضفيرتها الكثيفة وأسدلت الشال الموشح على كتفها، ونثرت على جانب اللوحة بخط النسخ أشطراً من أبيات عدة تغنّت بدمشق لعدد من الشعراء وفق تقنية “الميكس”، منهم أحمد شوقي “وعزّ الشرق أوله دمشق”.
أما إيمان حمام فرسمت راقصة باليه بلقطة من الأعلى مركزة على قماش ثوبها المصنوع من الدانتيل الأبيض بشكل دقيق جداً بألوان الزيتي، حتى يخال للمتلقي بأنها وظّفت قطعة قماش الدانتيل باللوحة بتقنية الكولاج.
مرام الحمديش رمزت إلى جمال سورية بوجه أنثى دقيقة الملامح جميلة العينين، وسكبت عليها اللون الأزرق لون البحر والسماء بأسلوب جمع بين التعبيري والكلاسيك.
في حين ارتأت همسة الأبطح أن تجسد صورتين مختلفتين للأنثى تشيران إلى اختلاف البيئة والثقافة، الأولى صورة الغجرية بكل تفاصيل زينتها ابتداء من السلسلة التي توضع على الرأس إلى القلادة والقرط الكبير وشعرها الطويل وشفاهها المكتنزة، أما الثانية فدلت على تأثر المرأة الدمشقية في الخمسينيات والستينيات بالثقافات الغربية وظهورها بشكل آخر من خلال تسريحة الشعر الغربية والملامح العربية.
ومن رؤية أخرى، استلهمت رهام طراقجي من آثار تدمر صورة المرأة المقاومة بزيها الحربي مستخدمة ألوان الإكليريك لمد الألوان، ومن ثم الألوان الزيتي مركزة على اللون الخمري ودرجات الألوان الترابية لأعمدة تدمر، كما عُرضت لوحات لآثار مستمدة من دير الزور وحماة وقلعة جعبر التي رسمتها رندة كحالة.
وجسدت هيلدا العيسى بألوان الإكليريك الممتزجة بالسكر ومواد أخرى الكتابة المسمارية على سطح خشن.
المشرفة على المعرض ورئيسة “فريق شآم” الفنانة التشكيلية رغدة سعيد تحدثت عن تنوّع الأساليب التي استخدمها الفنانون بين الواقعية والتعبيرية والتعبير الانطباعي والرسومات التوضيحية بما يشبه الإعلان، وفنّ الماندالا الذي يقوم تكرار الدائرة والأشكال الهندسية مثل لوحة ضحى الحاج التي جسدت فيها شخصية الميلوي، كما أشادت بدعم المنتدى العراقي للمواهب الشابة واستضافة هذا المعرض في المكان الذي يتسم بالمحبة والتآلف.
أما المشرف الإداري في الفريق إياد يوسف فأوضح أن الفريق مجتمعي تطوعي، وأن المعرض ضمّ فنانين من مختلف المستويات، بعضهم من خريجي كلية الفنون الجميلة وآخرون من معهدي أدهم إسماعيل ووليد عزت، بالإضافة إلى هواة اتبعوا دورات فنية خاصة، جمعهم الشغف باللون والريشة وعملوا بشكل جماعي مستفيدين من تجاربهم، ونوّه إلى أن فعاليات الفريق لا تقتصر على الفنّ التشكيلي، إذ يوجد فريق للمسرح وآخر للموسيقا.
وختاماً مع أمين سرّ قيادة قطر العراق منى هيلانة، فعقبت بأن المعارض التشكيلية ودعم نتاج الشباب ضمن خطة المنتدى الثقافي العراقي بالمشاركة بالمشهد الثقافي والفني، وأثنت على نتاج الفنانين من حيث الأفكار والتقنيات، ونوّهت بأن هذا المعرض سيكون بداية لمعارض قادمة.