فرنسا إلى أين؟
تقرير- سنان حسن
فاجأ اليسار الفرنسي كل المتابعين والمحللين السياسيين، بتحقيقه انتصاراً في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب فوز اليمين في انتخابات البرلمانية الأوروبية، انتصاراً أعاد اليسار الفرنسي إلى صدارة المشهد السياسي، ولكن في ظل تركيبية سياسية بعيدة عن الثنائية الحزبية التي كانت مكرسة مع بداية الجمهورية الخامسة، فالواقع السياسي اليوم يمكن القول عنه بأنه مشرذم وقابل للانفجار في أي لحظة، فالحزب الجمهوري تفكك وتشتت أنصاره، والحزب الاشتراكي اليوم هو جزء من جبهة يسارية شكلت قبل شهر من الانتخابات، ورغم أنها الحزب الأكبر، إلا أن مخاطر تفكك الجبهة قد يكون وارداً في ظل الضغوط التي ستمارس عليها في ضوء النتائج المسجلة حالياً، والمواقف التي أطلقها قادة الحزب فيما يتعلق بفلسطين مثلاً.
أما الجناح الذي يتقدم فهو اليمين المتطرف، الذي تتعاظم قوته مستفيداً من الزخم الذي سبق الانتخابات وانتصاره الأوروبي، فقادته يؤكدون على أن كل المحاولات لإبعاده عن الحكم، ستفشل وأن المد اليمني قادم لا محالة، ولكن لماذا الأحزاب والقوى الفرنسية وصلت إلى هذا الحد من التشتت والتشرذم؟.
منذ وصول ماكرون إلى الحكم تصدع المشهد السياسي التقليدي الفرنسي مع تأسيس تيار جديد بقيادة ماكرون، والذي استطاع في أول انتخابات في تحقيق انتصار غير مسبوق أدى إلى خروج الاشتراكيين والجمهوريين من المشهد السياسي تقريباً حين حصل على 350 مقعداً في الجمعية الوطنية الفرنسية.
ومع السياسات التي انتهجها ماكرون فيما يتعلق بالهجرة والقانون المثير للجدل، وسياساته الاقتصادية التي عمقت من الشروخ في المجتمع الفرنسي، فرأينا حركة السترات الصفراء في ولايته الأولى واحتجاجاتها على سياسته العرجاء، وما تلاها من مواجهات في الشارع لأشهر، إضافة إلى إقراره قوانين حدّت من الحريات ولاسيما الجاليات التي تعيش في فرنسا، كل هذه السياسات ساهمت في استغلال اليمين بقيادة ماري لوبان المشهد والتقدم على حساب الأحزاب التقليدية، والنتيجة كانت فوز اليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي، وخسارة باقي الكتل بما فيها كتلة الرئيس ماكرون، ولكن في ظل النتائج المسجلة فرنسا إلى أين؟.
في المواقف المعلنة حتى اليوم فإن كل كتلة من الكتل الفائزة (يسار – يمين وسط – جمهوريين- يمين متطرف – مستقلين) ترفض التحالف مع الأخرى وترى أن لديها مشروع لقيادة فرنسا وإخراجها مما هي فيه بقيادة ماكرون، طبعاً وفق منطق الانتخابات فإن على الرئيس الفرنسي أن يكلف كتلة اليسار بتشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة بعد انعقاد الجلسة الأولى للجمعية الوطنية، ولكن حتى هذا الخيار دونه الكثير من المشاكل قد تقود فرنسا إلى حالة من الشلل التام في ظل عدم قدرة أي كتلة على الحكم، وتمرير القوانين في ظل فقدانها الأغلبية المطلقة. وفي ظل عدم قدرة على حل الجمعية الوطنية قبل عام من انتخابها، فالخيارات المطروحة لن يقبل بها الساسة الفرنسيين وفي مقدمتهم ماكرون الذي بيده حل الأزمة من بوابة تقديم استقالته وهذا بالطبع غير وارد.
والحال فإن الانتخابات الفرنسية المبكرة عمقت من الخلاف في المشهد السياسي الفرنسي، وفتحت المجال لليمين المتطرف أن يزحف بانتظار للظفر بالحكم، أما الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعول عليه في هذه الانتخابات هو الوعد الذي أطلقه كل من النائبة ماتيلد بانو والزعيم اليساري جان لوك ميلانشون بالاعتراف بدولة فلسطين.