قمّة لأخطر حلف في التاريخ
سمر سامي السمارة
تستضيف الولايات المتحدة على مدار ثلاثة أيام قمّة للدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي “ناتو”، وسيشارك رؤساء دول وحكومات الناتو في القمّة، التي ستتضمّن الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء الحلف، وتتركز مداولات القمّة على زيادة الدعم لأوكرانيا، وتعزيز الدفاع الجماعي لدول الحلف، وتعميق شراكاته الدولية.
وتم الكشف عن تفاصيل جدول أعمال قمّة واشنطن في اجتماع وزراء خارجية الناتو في براغ نهاية أيار الماضي. وحسب محللين، سيجرّ الحلف أعضاءه إلى حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين، التي يتهمها بتزويد روسيا بتكنولوجيا الأسلحة ذات الاستخدام المزدوج، كما سيتم كشف النقاب عن مبادرات جديدة للحلف لإنفاق أموال الضرائب على بناء “جدار طائرات دون طيار” في منطقة البلطيق، وإطلاق “نظام دفاع جوي متكامل” في كل أنحاء أوروبا.
لكن، وفقاً للمحللين، السمة الرئيسية للقمّة ستكون مجرّد عرض سطحي لوحدة أعضاء الناتو، وذلك لإقناع الرأي العام بأن الحلف وأوكرانيا قادران على هزيمة روسيا وأن التفاوض مع روسيا سيكون بمنزلة الاستسلام.
وعليه، من الواضح، أن الترويج لذلك سيكون بقمة الصعوبة، وخاصة أن أغلبية الأميركيين العاديين يتفقون على دعم عملية السلام في أوكرانيا عن طريق التفاوض، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مجلة إيكونوميست وموقع يوجوف في تشرين الثاني عام 2023، تأييد 68% لعملية وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، بينما عارض 8% فقط، وقال 24% إنهم غير متأكدين.
ومع ذلك، استمرّ الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة الناتو بإجراء مناقشات لا نهاية لها حول الطرق المختلفة لتصعيد الحرب، رافضين مراراً وتكراراً مفاوضات السلام، ولا سيما في نيسان 2022، وتشرين الثاني 2022، وكانون الثاني 2024، حتى عندما تركت خططهم الحربية الفاشلة أوكرانيا في حالة تفاوضية تزداد سوءاً.
من الواضح أن هذه اللعبة غير الاستراتيجية لن تنتهي إلا عندما تصبح أوكرانيا غير قادرة على التفاوض مع روسيا، أي عندما تواجه هزيمة كاملة لا يتبقى لديها ما تتفاوض عليه، وهو بالضبط الاستسلام الذي يقول الناتو إنه يريد تجنّبه.
أشارت دول أخرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى أن رفض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المفاوضات والدبلوماسية لمصلحة حرب طويلة تأمل من خلالها “إضعاف” روسيا، هو انتهاك صارخ لـ”التسوية السلمية للنزاعات” التي التزمت بها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قانونياً وفقاً للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.
لكن زعماء الناتو لن يذهبوا إلى واشنطن للتوصّل إلى كيفية الامتثال لالتزاماتهم الدولية والتفاوض على السلام في أوكرانيا، على العكس تماماً، ففي الاجتماع الذي عُقد في حزيران تحضيراً للقمّة، وافق وزراء دفاع الناتو على خطة لوضع الدعم العسكري الذي يقدّمه الناتو لأوكرانيا “على أساس أكثر ثباتاً لسنوات قادمة”.
جدير بالذكر، أنه سيجري العمل على تنفيذ هذه الجهود في قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة فيسبادن بألمانيا، وسيشارك فيها نحو 700 موظف، وقد تم وصف هذه الجهود بأنها وسيلة “إثبات لترامب” لدعم الناتو لأوكرانيا، في حالة فوزه في الانتخابات ومحاولة سحب الدعم الأمريكي.
وتوقّع الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، أن يتفق المشاركون في القمّة على حزمة كبيرة من المساعدات لأوكرانيا، تشمل تعهّداً مالياً إلى جانب المزيد من الدعم العسكري الفوري والمزيد من اتفاقيات الأمن الثنائية، وقال: إن كل هذه العناصر تشكّل جسراً لعضوية الناتو، مشيراً إلى أن أوكرانيا تقترب من حلف شمال الأطلسي، ومؤكداً أن ذلك لن يؤدّي إلى تحويل الناتو إلى طرف في الصراع، لكنه سيعزّز قدرتها على الدفاع عن نفسها.
وفي ترديد لمصطلح التفكير المزدوج لجورج أورويل بأن “الحرب هي السلام”، قال ستولتنبرغ: “المفارقة هي أننا كلما طال أمد خططنا، وطال أمد التزامنا بالحرب، تمكّنت أوكرانيا من تحقيق السلام في وقت أقرب”.
وكما ذكر إيان ديفيس من منظمة رصد حلف شمال الأطلسي، فإن خطاب حلف شمال الأطلسي يعكس الخطوط نفسها التي سمعها طوال عشرين عاماً من الحرب في أفغانستان: “بأن روسيا لا تستطيع انتظارنا حتى ننسحب”. لكن هذا الأمل الغامض في أن يستسلم الطرف الآخر في نهاية المطاف لا يشكّل استراتيجية.
يظهر واقع الحال، عدم وجود أي دليل على أن أوكرانيا ستكون مختلفة عن أفغانستان، فالولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تطرحان الافتراضات نفسها التي ستؤدّي إلى النتيجة نفسها. والافتراض الذي يستند إليه ذلك هو أن الناتج المحلي الإجمالي الأكبر لحلف شمال الأطلسي، والميزانيات العسكرية الباهظة الفاسدة، وهوس تكنولوجيا الأسلحة الفتاكة، ستقود أوكرانيا بطريقة سحرية إلى النصر على روسيا.
هنا لابدّ من الإشارة إلى أن اعتراف الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أخيراً بالهزيمة في أفغانستان، جاء بعد أن دفع الأفغان ثمن حماقة الغرب، في حين انتقلت آلة الحرب بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ببساطة إلى “التحدّي التالي” الذي لم تتعلم منه شيئاً وحقّقت مكاسب سياسية من الإنكار المطلق.
فبعد أقل من ثلاث سنوات من الهزيمة في أفغانستان، وصف وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مؤخراً حلف شمال الأطلسي بأنه “التحالف الأقوى والأكثر نجاحاً في التاريخ”. ولكن من الواضح اليوم، أن ما تقوم به الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كان فخاً نصبتاه ليس لأوكرانيا فحسب، بل لحلفائهما في الناتو أيضاً، فمن خلال رفض دعم أوكرانيا على طاولة المفاوضات في نيسان 2022، والمطالبة بدلاً من ذلك بـ”تأطير النصر بمحصلة صفر” كشرط لدعم الناتو، صعّدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ما كان يمكن أن يكون عملية عسكرية قصيرة جداً إلى حرب طويلة الأمد بين الناتو وروسيا.
لذا يرى متابعون أنه عندما يجتمع قادة الناتو في واشنطن، فإن ما ينبغي عليهم فعله، بصرف النظر عن معرفة كيفية الالتزام بالمادة 33 (1) من ميثاق الأمم المتحدة، هو إجراء مراجعة واضحة لكيفية عمل هذه المنظمة التي تدّعي أنها قوة من أجل السلام، وهي في الحقيقة حلف يستمرّ في تصعيد الحروب التي لا يمكن الفوز بها وترك البلدان في حالة خراب.
من المؤكد أن الحلف يمثل مفارقة تاريخية في عالم اليوم المتعدّد الأقطاب، فهو تحالف عسكري عدواني توسّعي، ويبدو أن الطريقة الوحيدة التي يمكن له أن يصبح قوة حقيقية من أجل السلام هي الإعلان أنه، بحلول هذا الوقت من العام المقبل، لن يكون موجوداً.