(أربعائيات.. بحكم المنطق.. ولا شيء غير المنطق).. فلسفة التحدّي: العناد الإيجابي
د. مهدي دخل الله
إذا استند العناد الإيجابي على القلق الإيجابي تكون النتيجة نصراً خالصاً، وإن تطلب الكثير من الوقت والجهد؛ والشائع أن حالتي القلق والعناد حالتان سلبيتان وينتجان ضعفاً لدى صاحبهما، لكن إذا تدخلت إرادة التحدّي والتمسك بهدف النصر يصبح المفهومان إيجابيين بكل ما في الإيجابية من معنى.. استناداً إلى إرادة التحدي القوية التي تتمتع بها شعوب عربية، كالشعب السوري والفلسطيني والجزائري وغيرهم، استطاعت هذه الشعوب تحويل القلق إلى عناد وتمسك بهدف الاستقلال التام والناجز.. اليوم، هناك دول كثيرة لديها استقلالها بالمعنى الشكلي، أي علم وحدود ونشيد وطني وعضوية في الأمم المتحدة، لكنها تفتقد إلى استقلال القرار، أي أن سيادتها ناقصة عملياً، وذلك لأن شعوبها لم تمتلك إرادة التحدي وهدف الاستقلال الكامل.. هل نتذكر كيف كان وضع سورية عامي 2012 و2013 مثلاً؟ كان المراقبون في الخارج، جميعهم، يعدّون لحظة (موت سورية وتقسيمها) على أصابعهم، غير مدركين طبيعة هذا الشعب الذي حارب فرنسا بقبضتيه العاريتين، فرنسا فيشي وفرنسا ديغول، وانتصر. كنا، وما زلنا، نعيش قلقاً كبيراً، لكننا حوّلناه إلى قلق إيجابي نتج عنه عناد إيجابي.. النتيجة كانت أن تموضع مسار النصر عبر مراحل متوالية، من حمص القصير حتى حلب والغوطة الجنوبية، مرحلة بعد أخرى باتجاه الهدف النهائي.. ما يحصل اليوم من تحوّل بطيْء، لكنه واضح، في السياسة العربية والإقليمية والدولية تجاهنا ليس منّةٌ من أحد، إنه نتاج طبيعي للتحدي السوري والعناد السوري الإيجابي. لا يمكن القول اليوم إن النصر الناجز قاب قوسين أو أدنى، لكن لا بد من القول إنه أصبح قضاءً مفعولاً، وإن احتاج إلى تضحيات جديدة على جميع الصعد. منذ بداية الحرب علينا، كنا نعلم أن النصر قدر، وأن تحويله إلى قضاء، إلى جبرية حاصلة، يتطلب الكثير من الجهد والتضحية؛ وكان هذا الشعب العظيم لها. لم يعُد وصف السوريين بالشعب العظيم مجرّد تغّن وطني وإعجاب بالذات، بعد هذه التضحيات التي قل من الشعوب من يتحمّلها، بل أصبح حقيقة واضحة تماماً في العلاقات الدولية، وفي الواقع العالمي.. لقد قمنا بتحدي الناتو قبل أن يجرؤ غيرنا، من دول عظمى وصغرى، على تحدّيه، وواجهناه ميدانياً عندما كان غيرنا يأمل بإيجاد لغة مشتركة معه.. إنه العناد السوري الإيجابي.
mahdidakhlala@gmail.com