جنود إسرائيليون يدلون بشهاداتٍ مروّعة
سمر سامي السمارة
في دحض للادّعاءات المتكرّرة للمسؤولين الإسرائيليين ومؤيّديهم المتحمّسين في إدارة جو بايدن، ممّن سخروا من المخاوف المتعلقة باستهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمدنيين في غزة، كشفت تقارير متعمّقة استندت إلى شهادة ستة من الجنود السابقين في جيش الاحتلال كيف تم تشجيعهم على إطلاق النار من أسلحتهم للتخفيف من شعورهم بـ “الملل” وتخويلهم فتح النار على الفلسطينيين بمن في ذلك المدنيون إذا رغبوا في ذلك.
في تقريرها الاستقصائي الأخير حول قواعد الاشتباك لجيش الاحتلال في غزة، أجرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومنها مجلة 972 وموقع “لوكالكول” العبري مقابلاتٍ مع ستة جنود إسرائيليين تم تسريحهم من الخدمة الفعلية، حيث استعرضت فيه شهادات الجنود الذين تحدّثوا عن الغياب شبه الكامل لقوانين إطلاق النار والاشتباك في العدوان على غزة، وأنهم كانوا يطلقون الرصاص متى شاؤوا ويضرمون النار في المنازل التي يمرون بها، ويتركون جثث الشهداء في الشوارع، وكل ذلك يحدث بموافقة قادتهم في الجيش.
وذكرت المجلة أن الجنود الستة الذين تحدث كل منهم شرط عدم الكشف عن هويته، رووا كيف أعدم الجنود الإسرائيليون بشكل روتيني المدنيين الفلسطينيين.
وقال أحد الجنود: إذا كان هناك شعور بالتهديد، فلا داعي للشرح.. فقط أطلق النار. وفي حال رأيت شخصاً يقترب ولم تعرف ما إذا كان مسلّحاً أو يشكّل تهديداً.. “يجوز إطلاق النار على أجسادهم، وليس في الهواء.. يجوز إطلاق النار على الجميع، فتاة صغيرة، امرأة عجوز..”.
وذكر الجنود أنهم كانوا يطلقون النار في بعض الأحيان من أسلحتهم “كوسيلة لإزالة التوتر أو للتسلية”، حيث قال أحد جنود الاحتياط إنهم يريدون “تجربة الحدث بالكامل، لذا كانوا يطلقون النار دون سبب، نحو البحر أو على الرصيف أو مبنى مهجور”، بينما قال جندي آخر لـ 972 وموقع “لوكالكول”: إن الجيش الإسرائيلي سوف يتبنى تكتيكاً يسمّى “إثبات الوجود”، حيث كانوا يطلقون أسلحتهم بشكل متكرّر ليُظهروا لأي فلسطيني في المنطقة أنهم موجودون هناك.
ويأتي التقرير في أعقاب نشر التحليل الذي أجراه خبراء طبّيون في مجلة “لانسيت”، حول عدد الشهداء في غزة، والذي تجاوز 38 ألفاً رسمياً، بالإضافة إلى قرابة 150 ألف فلسطيني لقوا حتفهم بسبب الجوع، والظروف الصحية التي تعرّضوا لها، ولم يتم علاجهم بسبب تدمير نظام الرعاية الصحية، فاستسلموا لآثار الحرب “غير المباشرة”.
وقال الجنود أيضاً: إن عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين كانت تتم “بشكل روتيني” بسبب دخولهم منطقة صنّفها جيش الاحتلال الإسرائيلي كـ”منطقة محظورة”، حيث تم السماح بجعل المناطق المحيطة بهم “مليئة بجثث المدنيين، التي تُركت لتتعفّن أو تأكلها الحيوانات الضالة”.
وفي السياق، صدرت تعليمات للجنود بإخفاء الجثث عند وصول منظمات الإغاثة الدولية، لضمان “عدم ظهور صور لأشخاص في مراحل متقدّمة من التحلل”.
إلى ذلك ذكر أحد الجنود أنهم “رأوا الكثير من المدنيين، عائلاتٍ ونساء وأطفالاً”، مؤكداً أن “عدد الذين لقوا حتفهم أكبر بكثير ممّا تم الإبلاغ عنه”، مضيفاً: يُقتل كل يوم ما لا يقل عن واحد أو اثنين من المدنيين لأنهم كانوا يسيرون في منطقة محظورة.
وأضاف الجندي: إن الجيش يعدّ كل من تتراوح أعمارهم بين 16 و50 عاماً إرهابيين، ويعامل أي شخص يتجوّل في الخارج أو ينظر إلى الجيش الإسرائيلي من مبنى باعتباره مشبوهاً وهدفاً مشروعاً.
ويأتي التقرير في أعقاب كشف سابق من وسائل الإعلام الإسرائيلية عن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي لاستهداف الفلسطينيين، دون الاهتمام بالمدنيين الذين قد يلقون حتفهم أثناء الهجوم على منازلهم.
وقال جندي آخر: إن العمل جنباً إلى جنب مع القادة في غرفة العمليات وتحديد المباني التي يجب ضربها “يبدو كأنه لعبة كمبيوتر، بحيث ننسى بسرعة كبيرة أن هذه منازل حقيقية، وبعد أسبوعين فقط أدركت أن هذه مبانٍ فعلية تتساقط على رؤوس سكانها”.
وشهد يوفال غرين، الذي خدم في لواء المظليين 55 في أواخر العام الماضي ووقع رسالة مع 40 جندي احتياط آخرين الشهر الماضي يرفضون فيها المشاركة في غزو رفح، أن الجنود تلقوا أوامر بإحراق المنازل التي احتلوها.
وقال: “إذا تحرّكت، عليك أن تحرق المنزل”، مضيفاً: “نحن في هذه المنازل ليس لأنها مملوكة لنشطاء حماس، ولكن لأنها تخدمنا من الناحية العملياتية، إنه منزل لعائلتين أو ثلاث أسر، وتدميره يعني أنهم سيصبحون بلا مأوى”.
من جهتها، قالت يائيل بيردا الأستاذة في الجامعة العبرية: إن الرسالة الأخيرة من 972 فيما يتعلق بالأوامر التي صدرت للقوات الإسرائيلية هي على الأرجح مجرّد جزء صغير من الحقيقة التي ستظهر في النهاية بشأن الحرب في غزة، مضيفة: “أنا متأكدة من أننا لا نعرف نصف ما حدث خلال هذه الأشهر التسعة في غزة”.