ملتقى الأجيال ينبش في “شجرة العائلة” لـ يوسف حطيني
أمينة عباس
استثمرت الأمانة العامة للاتّحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين زيارة الأديب والناقد الدكتور يوسف حطيني إلى سورية، وهو الذي يدرّس اللغة العربية في جامعة الإمارات منذ عام 2006، ليحلّ ضيفاً على فعالية ملتقى الأجيال الذي ترعاه الأمانة بحضور أعضاء رابطة أدباء شباب سورية، وذلك لتسليط الضوء على مجموعته القصصية “شجرة العائلة” عبر ندوة أدارها الكاتب سامر منصور وشارك فيها الكتّاب الدكتور بكور عاروب، والأستاذ عمر أيوب، والأستاذة سمر تغلبي.
وقد أجمع المشاركون في قراءاتهم على بساطة اللغة التي استخدمها الكاتب وعمق المضمون، يقول د. عاروب: “تأتي لغة المجموعة سلسة بسيطة غير معقدة، ولم يسعَ الكاتب وراء اللغة القاموسية، ما جعل قراءة المجموعة أكثر متعة وسلاسة من دون إشغال الفكر باللغة عن السردية الحكائية للقصة وصورها، وهذا يُحسب للكاتب الذي يمتلك تراثاً لغوياً زاخراً ويكتب بلغة بسيطة تجعل بعض القصص تتجاوز التصنيف العمري، فهي تصلح للناشئة وللكبار في وقت واحد بقيمة فكرية عالية”، وهذا ما بيّنته أيضاً تغلبي بقولها: “مستوى اللغة سلس وانسيابيّ وينتمي إلى السهل الممتنع، حيث حرص الكاتب على إيصال فكرته بأبسط المغريات اللغوية التي كانت مفعمة بالصور التي لم تكن زركشة، إنما جاءت لخدمة الفكرة”.
وتوقف كلّ من تغلبي وعاروب عند القاسم المشترك في أغلب القصص، تقول تغلبي: “تتنوع مضامين القصص بين قصة وأخرى، والقاسم المشترك بينها هو الانحياز للمقهورين والمضطهدين، أما على صعيد تقنيات الفن القصصي الذي استخدمه الكاتب فقد كان لكل قصة تقنية مختلفة عن الأخرى “الفلاش”، وفيها يعبّر عن الحكايات من دون تتابع زمني و”الخطف خلفاً” فيكون الزمن بين مدّ وجزر، و”التتابع الزمني” و”القفزات الزمنية المفاجئة”، وبالاتجاه نفسه يحدثنا عاروب: “على الرغم من تنوع حكايات المجموعة كان القهر حاضراً في مختلف مستويات إنتاجه والتماهي معه والتمرّد عليه ومقاومته ليناقش الكاتب في مستوى أعلى قضية وعي المظلومية والتمرد على الظلم بحيث لا يحول المظلومية إلى جريمة، وكل ذلك يقدّمه الكاتب في إطار جمالي فني بعيداً عن جفاف الفقه الفكري وثقله وصعوبته”.
ويتابع عاروب: “في غالبية القصص، يقدّم الكاتب توثيقاً فنياً لأحداث جرت ومشاهد نعرفها، فيما تتفرد قصة “شجرة العائلة” التي منحت اسمها للمجموعة بإسقاطات رائعة لم تخلُ منها القصص الأخرى ولكنها بقيت متميزة عنها، وأنا لا أوافق على من جعل القصة تتماهى مع قصص عالمية وعلى رأسها قصص الكاتب التركي عزيز نيسين، لأن أفكار المجموعة جاءت بفكر الكاتب الذي يمتلك أدوات لغوية وتراكماً فكرياً يغنيه عن أي تماهٍ أو استعارة إبداعية”.
ولم تخلُ قراءة عاروب للمجموعة القصصية من بعض الملاحظات التي توقف عندها قائلاً: “عمد الكاتب إلى شرح بعض الدلالات، وهذا ينتقص من قدرة القارئ على الاستنتاج وتلمّس الدلالات، وكان عليه أن يترك للقارئ فرصة المتعة الكاملة في القراءة والإسقاط والتحليل وفقاً لمنهجه وتراكمه المعرفي وقدراته التخيلية بعيداً عن إرغامه على فهم محدد يريده الكاتب، وفي العناوين والعتبات النصية نرى أن المفكر الباحث غلب على القاص فيها، حيث جاءت بمنزلة الإعلان الفكري أو السياسي، ولا شكّ في أن النص التثقيفي مطلوب، لكن القصص ليست درساً بقدر ما هي جرس للذاكرة، يحفزها ويصوغ لها عالماً لمجمل المعطيات الفنية والفكرية واللغوية والاجتماعية”.
وتوقف أيوب في قراءته ملياً عند القصة الأولى “شجرة العائلة” قائلاً: “من خلال النظرة الأولى نلحظ شجرة مثمرة مختلفة، فمن هي العائلة؟ إنها عائلة المساكين الصابرين على عاديات الأيام”، مشيراً كذلك إلى التناص الموجود فيها: “جاءت أحداثها على لسان حمار، وهذا النص يتناص مع قصة الكاتب عزيز نسين “آه منا نحن معشر الحمير” بالفكرة والأسلوب الساخر، مع وجود تباين بين طبيعة وطبائع وأسلوب كل كاتب”، ويتابع أيوب: “من ملامح القصة المدهشة وجود حدث مدهش وليس بالضرورة أن يكون عظيماً حتى تكون القصة ناجحة، وهذا ما تحقق في قصة “درس في محو الأمية” التي قامت على حدث مميز وفريد للوصول إلى نهاية استثنائية أو غير متوقعة كما في قصص أخرى”.
وعن عناوين القصص يقول أيوب: “عندما يكون عنوان النص كاشفاً يكون احتمال توافق توقعات القارئ حول مضمون وفكرة النص أكبر، وعندما تتوافق توقعات القارئ مع سير الأحداث يطمئن لهذه التوقعات لكن على حساب حيوية النص، ومن القصص التي وافقت التوقعات في المجموعة “الحرباء” و”في مركز الدائرة” و”الطابق السادس”.
ورداً على بعض التساؤلات التي وردت على لسان المشاركين بيّن د. يوسف حطيني الذي قرأ بعض القصص التي تضمنتها المجموعة: “ثقل الفكر في المجموعات القصصيّة مطلوب اليوم من خلال طرح أفكار مهمّة وقضايا كبيرة مليئة بالثقافة بهدف تقديم قصة أو رواية مثقفة ذات مضامين هادفة، وهذا ما يعمل عليه كتّاب الغرب، حيث تحضر القضايا الكبرى في كتاباتهم، وأنا أعتمد في كتاباتي على التصوير السردي يعيداً عن ثرثرة التصوير الإنشائي الذي يخلق فوضى في كثير من الأحيان ويبعد القارئ عن الفكرة الأساسيّة”.
رافع الساعدي أمين سرّ الأمانة وأعضاء الأمانة الباحث علي عزيز والباحث عبد الفتاح إدريس أشاروا إلى مسيرة الدكتور حطيني الزاخرة في الأدب: “هو رمز من رموز الثقافة الفلسطينيّة والعربيّة.. إنه ليس مجرد أديب وباحث، بل هو منتج ومخرّج للأجيال بحكم عمله كأستاذ جامعي في الإمارات، وقد تخرّجتْ على يديه أجيال من المثقفين”.
يُذكر أن مجموعة “شجرة العائلة” تتضمن قصصاً قصيرة صادرة عن دار توتول للطباعة والنشر عام 2020 وتضم 12 قصة، نذكر منها “أبو الشوارب”، و”الكرسي”، و”حرب باردة”، و”الطابق السادس”، و”القميص الوردي”.