تحقيقاتصحيفة البعث

في السباق نحو القبة.. السوريون يريدون أداءً بعيداً عن الشعارات الرنانة والمداخلات الانفعالية!

غسان فطوم 

اقترب موعد استحقاق انتخابات مجلس الشعب في دوره التشريعي الرابع، فأمس تمّ الإعلان عن قائمة الوحدة الوطنية من قبل القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي.

الحراك الانتخابي ظهرت ملامحه بشكل ملحوظ مع بداية هذا الشهر، حيث بدأ المرشحون المستقلون والممثلون لباقي الأحزاب الوطنية بنشر صورهم وطرح شعارات متنوعة، في محاولة منهم لجذب الناخبين وإقناعهم بأهمية “برامجهم” الانتخابية.

كلمات وطنية مؤثرة 

على العموم.. تمحورت شعارات كلّ المرشحين حول كلمات وطنية مؤثرة مثل “صوتكم أمانة”، “ثقتكم غالية”، “معاً وبكم نرتقي”، “لن أخذلكم”، “مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار”، وغير ذلك من الشعارات التي يأمل من خلالها المرشحون أن تقنع الناخبين في التصويت لهم وإيصالهم للمجلس.. وللأمانة، هناك خطط عمل وبرامج على الورق جديرة بالاهتمام، لكن السؤال الذي يطرحه الناخبون: هل سيلتزم المرشحون بشعاراتهم وبرامجهم الانتخابية بعد وصولهم إلى المجلس؟!

حديث الشارع

القاسم المشترك للشارع السوري بمختلف شرائحه الاجتماعية وفئاته، والذي يمكن استطلاعه من خلال الاحتكاك مع الناس في أماكن العمل وفي الجامعات، والمقاهي، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتمحور حول ضرورة انتخاب من يحمل قضايا المواطن بأمانة ومسؤولية، ويدافع عن حقوقه ويستطيع إحداث التغيير المنتظر، من خلال الجرأة في الطرح بما يعزّز من حضور المجلس كسلطة تشريعية قادرة على مساءلة ومحاسبة الحكومة على قراراتها، وليس فقط كجهة رقابية، بمعنى: يريدون أعضاء يمثلون عين المواطن، يحضرون الجلسات بشغف العمل، يسمعون ويتكلمون، وينقلون نبض الواقع كما هو دون رتوش تجميلية.

صناعة الأحلام 

السوريون في غالبيتهم متفقون على أن المرحلة القادمة لا تحتمل صناعة الأحلام الوردية التي تتلاشى مع مرور الأيام، ولا يبقى منها سوى صورة مرشح معلقة على جدار غابت ملامح صاحبها وكلمات شعاراته الرنانة بفعل عوامل الطقس! لذلك كلهم أمل أن تفرز الانتخابات القادمة مجلساً قادراً على النهوض بالواقع والارتقاء بخدمات المواطن الذي ما زال مؤمناً بأن “بكرا أحلى”؛ ففي كلية الآداب بجامعة دمشق عبّر عدد من الطلبة عن أهمية الاستحقاق القادم، ولم يتردّد بعضهم بالقول: لن تخدعنا شعارات المرشحين هذه المرة، وخاصة الذين حالفهم الحظ الدورة الماضية، ولم يلتزموا بوعودهم، مستغربين من هؤلاء كيف يرشحون أنفسهم ويطرحون الشعارات ذاتها، حتى إن بعضهم استعاد الصورة الماضية نفسها التي كانت تزيّن الشوارع بابتسامة توحي بالأمل وشعار منمّق بجمل تدغدغ المشاعر، لكنها بقيت “جعجعة بلا طحين”!!

أسماء تتكرر 

كان واضحاً من خلال الحديث مع فعاليات عديدة في مؤسسات الدولة حالة “الامتعاض” من تكرار بعض الأسماء لأكثر من دوره، رغم أن أصحابها كانوا أشبه بالصور المعلقة على الجدران تحت القبة، والذين أثبتوا بعدهم عن الشعب، والدليل أن أكثرية مطالبه وقضاياه الاجتماعية والخدمية والاقتصادية وغيرها لم تُحلّ، وخاصة في فترة الحرب، بل ولغاية الآن، ودلل بعضهم على ذلك بالإشارة إلى ما قامت به وسائل الإعلام الوطنية، على اختلاف أنواعها، بنقل مشكلات وهموم المواطنين، في حين لم نرَ أي عضو حمل على عاتقه هذه الهموم ومارس ضغطاً على أي وزارة أو إدارة خدمية لحلها، كما أن الأسماء المكررة لم تقدّم شيئاً على مدار أكثر من دور تشريعي، فماذا ستقدم اليوم غير الشعارات البرّاقة التي زينت لوحاتهم الإعلانية والدعائية التي ملأت الشوارع؟!

الحضور الشبابي

شباب الجامعة سألوا: لماذا غياب شريحة الشباب عن المجلس الذين هم على تماسٍ مباشر مع مشكلات مجتمعهم ومناطقهم وقراهم.. من هنا نقترح تحديد دورتين فقط لكلّ عضو ليفسح المجال لغيره من الذين لديهم القدرة على حمل هموم الشباب، مشيرين إلى وجود لجنة للشباب في المجلس لكنها لم تفعل شيئاً للشباب، والدليل ارتفاع معدلات البطالة، وخاصة بين خريجي الجامعات، عدا عن مرور قرارات لم تكن في صالح الطلبة، وعبّروا عن أملهم بأن تكون الهمّة في الدور التشريعي القادم أكثر قوة وأكثر حماساً في جعل هموم الشباب من ضمن أولويات عملها لعلّ وعسى نعيد الأمل لشبابنا الذي يتألم ويحلم بمغادرة البلد!

“ملينا من الحكي” 

برأي العديد من الفعاليات أن زمن النقد الشفهي الاستعراضي آن له أن ينتهي، لأنه لا يحقق ما يريده ويحتاجه المواطن قياساً بالآمال والأمنيات المعلقة على المرحلة القادمة على صعيد الاستحقاقات ككل، مؤكدين على أهمية الوعي الانتخابي في اختيار الكفاءات والخبرات وأصحاب السمعة الحسنة، فأمثال هؤلاء يمكن التعويل عليهم، بعيداً عن سمفونية التصريحات الرنانة والمداخلات المنفعلة التي أدمنها الكثير من الأعضاء، مشيرين إلى وجود العشرات من أعضاء المجلس أمضوا دورتهم دون أن يتكلموا بشيء سوى صور “السيلفي” داخل القاعة وفي أروقة المجلس!.

على المحك

وانتقد عدد من أساتذة الجامعة أداء المجلس في دورته السابقة، فهو – حسب قولهم – لم يستطع أن يعبّر عن النبض الحقيقي للمواطن، أقلها تحسين مستوى المعيشة وخفض الأسعار، وتحسين الأجور والرواتب، وبرأيهم أن مصداقية المجلس القادم على المحك، لذا فهو مطالب بأن يلبي تطلعات السوريين في الضغط المجدي على الحكومة، وإلزامها بالإسراع في إقرار الإصلاحات الاقتصادية، وزيادة الدعم للقطاعين الصحي والتعليمي، والخدمي، وتمكين شريحة الشباب من العمل والتعليم النوعي في المدارس والجامعات.

وعلى صعيد عملهم في الجامعات قالوا إن الأستاذ الجامعي وكذلك الطالب يعانيان من بعض القوانين والأنظمة الجامعية التي لم تعد منصفة، وتحتاج لتعديل لم يفلح المجلس في إقرارها، إضافة إلى أمور أخرى تتعلق بدعم البحث العلمي التطبيقي الذي ما زال ضعيفاً!.

أصم وأبكم! 

بعض المواطنين من العاملين في الدولة طالبوا بالمحاسبة العلنية للأعضاء الذين يفشلون في أداء دورهم تحت القبة، متسائلين: ما الفائدة من عضو مجلس كأنه “أصم وأبكم” ضارباً بوعوده لمنتخبيه عرض الحائط؟!

كما اقترح البعض منهم إجراء تقييم سنوي لأداء الأعضاء ومساءلة أي عضو عن تغيّبه وتقصيره في أداء واجبه الذي أقسم عليه، في الوقت الذي يستغل عضويته في تدبير أموره الخاصة! مبدين إعجابهم بعمل المجلس على رفع الحصانة عن بعض الأعضاء خلال الفترة الأخيرة، وهذا برأيهم دليل عافية ويقوي الأمل بالقادمات.

الاختيار الصحيح 

قلنا سابقاً ونعود للتأكيد اليوم، إن الاستحقاق القادم لا يحتمل المجاملة لهذا المرشح أو ذاك، لأنه ابن “محافظتي” أو “عشيرتي”، أو لاعتبارات أخرى ضيقة لا تخدم، في النهاية، لا مصلحته الشخصية ولا مصلحة الوطن؛ ولأجل هذا نؤكد أن الاختيار الصحيح للمواطن المبنيّ على الوعي هو من نراهن عليه لانتحاب مجلس شعب على قدر كبير من الكفاءة والجودة في الأداء والخبرة العملية في مواجهة التحديات في ظلّ ظروف محلية وإقليمية ودولية مقلقة.

بالمختصر، السوريون يريدون نواب وطن قادرين على تحمّل المسؤولية، ولديهم أفكار بنّاءة ووجهات نظر مبدعة تساهم في تحقيق الإصلاحات الإدارية والمالية، يريدون من النواب المصداقية، في القول والأثر الإيجابي الملموس، يريدون الجرأة والشفافية والوضوح في التعبير عن همومهم المتراكمة وتلبية احتياجاتهم ومطالبهم المشروعة، فالوطن أمام تحديات داخلية وخارجية لا تحتمل التجريب، ولا التريث في إيجاد الحلول، ولا التأخر في مسايرة التطورات والسير في الركب الذي يحقق منعة وقوة الوطن.