عنصرية أمريكية ودوافع خفية
عناية ناصر
قال كيرت كامبل، نائب وزير الخارجية الأمريكي وثاني أكبر دبلوماسي أمريكي : يجب أن ترحّب الولايات المتحدة بالمزيد من الطلاب من الصين، ولكن لدراسة العلوم الإنسانية بدلاً من العلوم.
قامت الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، بمضايقة الطلاب الصينيين الذين يدرسون في الولايات المتحدة بحجّة الأمن القومي، وخاصة أولئك الذين يدرسون في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مثل الذكاء الاصطناعي وعلوم المعلومات والأمن السيبراني والهندسة الكهربائية وهندسة البرمجيات، وهندسة المعلومات الإلكترونية. وتشير تصريحات كامبل بشكل مباشر إلى أن الولايات المتحدة لا ترحّب بطلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الصينيين، فإذا جاء الطلاب الصينيون، يمكنهم فقط دراسة العلوم الإنسانية.
أدرك العديد من مستخدمي الإنترنت والعلماء الصينيين على الفور أن السبب في ذلك ربما يرجع إلى أن دراسة العلوم الإنسانية قد تساعد في تسهيل “اختراق” الثقافة الغربية إلى الصين. وفي هذا الخصوص قال لي هايدونغ، الأستاذ في جامعة الشؤون الخارجية الصينية: “هذا تكتيك يشبه الثورة الملوّنة أو التطوّر السلمي”.
تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل المفاهيم الأيديولوجية وأنظمة المعرفة لطلاب العلوم الإنسانية الصينيين، في محاولة لمواءمتهم بشكل أوثق مع القيم الغربية وربما تحويلهم إلى دعاة ومتحدثين باسم الثقافة والمؤسسات والمصالح الاستراتيجية الأمريكية. ويجب أن يثير هذا الدافع الخفي المخاوف بين جميع الطلاب الدوليين، حيث تنظر الولايات المتحدة إلى طلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الصينيين باعتبارهم “تهديداً للأمن القومي”، مدفوعين في الأساس بعقلية الحرب الباردة. ومن خلال تعميم مفهوم الأمن القومي، تهدف الولايات المتحدة إلى منع الطلاب الصينيين من الدراسة في الولايات المتحدة، وبالتالي تقييد التقدم التكنولوجي في الصين مع الحفاظ على التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة. وهذا يعكس عقول الولايات المتحدة التافهة وافتقارها إلى الثقة.
في بداية شهر نيسان عام 2020، صرّح السيناتور الأمريكي المعادي للصين، توم كوتون، أنه لا ينبغي السماح للطلاب الصينيين بدراسة العلوم في الكليات والجامعات الأمريكية، وأنهم يجب أن يتعلّموا فقط من الولايات المتحدة عن شكسبير والعلوم الإنسانية. والآن كرّر كامبل هذه الكليشيهات، مردّداً الحديث عن “المخاوف الأمنية” الناجمة عن قدرة الطلاب الصينيين على الوصول إلى “التقنيات الحساسة”. وهذا الأمر هراء ويشكّل ازدراء وافتراء على الطلاب الصينيين. فمن ناحية، تريد الولايات المتحدة أن يدرس الطلاب الصينيون العلوم الإنسانية لتسهيل تحقيق أهدافها الطويلة المدى في التسلل إلى الصين، ومن ناحية أخرى، يسعى البرنامج إلى طلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من دول أخرى لتعزيز النهضة التكنولوجية الأمريكية وتعزيز ميزتها التنافسية على الصين. وقال لي: “هل هذه هي قيم الحرية والثقة والانفتاح والشمول التي أعلنتها الولايات المتحدة نفسها تجاه النخب الدولية؟ إنها تعكس فقط حسابات سياسية أنانية للغاية”. وقال لي “بدلاً من إظهار الثقة والقوة والتنمية، لا تظهر الولايات المتحدة سوى الانغلاق والعمى والعنصرية والقلق”.
من خلال ترحيبه بالطلاب الهنود للعلوم، يبدو أن كامبل لا يمكن أن يخفي عنصريته حيث كشفت كلماته في الواقع عن تصوّر الولايات المتحدة النمطي والازدراء للهند وطلابها، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة تعدّ الهند مجرد خادم لمصالحها، ويعكس التفوق الأبيض المتأصل، حسبما قال شين يي، الأستاذ في جامعة فودان.
هل يمكن لمنع الطلاب الصينيين من دراسة العلوم في الولايات المتحدة أن يحقق ميزة تنافسية للولايات المتحدة في مواجهة الصين؟. بالتأكيد الجواب هو لا، فعادة ما توصف المنافسة بين الصين والولايات المتحدة بأنها سباق شامل في التكنولوجيا والاقتصاد والجيش. ولكن الأمر يتوقف في الأساس على قدرة كل دولة على اجتذاب المواهب والاحتفاظ بها، ورعاية القوى العاملة في المستقبل. وفي ظل البيئة التعليمية والبحثية المسيّسة والمسلّحة والسامة على نحو متزايد في الولايات المتحدة، فإن هذا الجو الانتقائي والتمييزي وغير الصحي سياسياً لا يفيد تنمية المواهب الأكاديمية في الولايات المتحدة، بل يدفع المزيد من المواهب إلى إعادة النظر في مستقبلها في الولايات المتحدة.
يعتقد الخبراء أن تصريحات كامبل لن تؤدّي إلا إلى إضعاف جاذبية الولايات المتحدة للطلاب الصينيين، حيث سيتجنب طلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الولايات المتحدة بسبب المخاوف الأمنية، بينما سيصبح طلاب العلوم الإنسانية أيضاً أكثر يقظة. وكما قال شين، الطلاب الصينيون يأملون في الحصول على تعليم جيد في الولايات المتحدة، وليس تعليماً يؤدّي إلى تدمير الذات.