في المشهد الثّقافي.. القول أفضل من عدمه
نجوى صليبه
لم تكن العلاقة بين الصحفي والأديب بأحسن حالتها خلال السّنوات الماضية، ولا نتحدّث هنا عن صحفي لا يعرف من المهنة سوى الإجابة عن الأسئلة الخمسة، أي لا يقدّم لا تحليلاً ولا تعليلاً ولا رأياً، ولن نبالغ إن قلنا هكذا صحفي ليس لديه همّ لا مهني ولا ثقافي ولا أدبي، ولا تصوّر أبعد من شهرة زائفة يسعى إليها، وللأسف صار هذا النّمط من الصّحفيين أو الإعلاميين أنموذجاً مطلوباً ومرغوباً من قبل أدباء ومثقفين مأخوذين بمجاملاتهم وتهليلهم وتطبيلهم وتزميرهم، أمّا الأنموذج الآخر من الصّحفيين فهو المهني والموضوعي والذي يقول كلمة الحق وهو يعلم يقيناً أنّها ستسبّب له مشكلات كثيرة، وهذا الأنموذج يشدّ بعض الأدباء الصّادقين على يده ويقولون الحقّ أيضاً ولو تناولهم بالنّقد والتّعليق والتّحليل، أما البعض الآخر فيشيد بعمله وأسلوبه وفكره وثقافته طالما هو بعيد عنهم، لكن ما إن يقترب من أدائهم ويكتب ما لا يتوافق وآراءهم يشنون عليه حرباً لا هوادة فيها، فيصبح بلا ثقافة أو لغة أو أسلوب، ويحرّض هؤلاء دائرتهم الصّغيرة عليه، مع العلم أنّ أفراد هذه الدّائرة بعيدون كلّ البعد عن الحراك الثّقافي.. خلاصة القول بعض الصّحفيين ليسوا صحفيين، كما أنّ بعض الأدباء ليسوا أدباء.
في التّشويه والتّزييف
لا أدري لماذا يتصرّف بعض الأدباء وكأنهّم خرجوا للتّوّ من جلسة من جلسات “نسوان باب الحارة“، فنراهم يتغامزون وينمّون ويتهامزون ويجرون اتّصالات ليخبّروا أخباراً كاذبة لا علاقة لها بالواقع يستهلونها بعبارة: “شفت فلان شو كاتب عنك بالجريدة“، ولأسباب لا نعرفها ربّما هي الغيرة أو الحقد أو الغباء أو “تبييض الوجه” أمام البعض.
وسأذكرُ هنا موقفين حدثا معي، الأوّل: منذ عام عندما كتبت عن اللغة العربية واستشهدت بمنشورات بعض الأصدقاء على صفحات التّواصل الاجتماعي، تحديداً الـ“فيسبوك” طبعاً مع ذكر أسمائهم، حينها أرسل إليّ شخص أعزّه وأحترم عمله جدّاً، يستفسر فيه عن حقيقة مشاركتي لأحد منشوراته وقلت له نعم إنّ فكرته جميلة، لكن حرفاً واحداً ووحيداً في كلمة من كلمات الرّسالة أكّد لي أنّ هذا الشّخص نسخ الرّسالة من محادثة أخرى أرسلها إليهم أحدهم وأعاد توجيهها إليّ.
الموقف الآخر، هو أنّي منذ عام أو أكثر كتبت عرضاً لرواية صادرة حديثاً، حينها اتّصل مؤلفها يعاتبني ويخبرني بأنّه غير راضٍ عمّا كتبت.. منذ أيّام رنّ جوّالي عندما رأيت الاسم تفاجأت وقلت في نفسي: ماذا هناك أيضاً، لم يصلني شيء من كتبه ولم أتناوله بنقد أو حديث ولم آت على ذكره طوال هذه الفترة.. أجبت وإذ به يتصل ليخبرني بصدور روايته الجديدة وحرصه على حصولي عليها، وثقته بقراءاتي ومهنيتي، وبعد السلام والكلام عرفت أنّ شخصاً اتّصل فيه العام الماضي وسأله عمّا إذا قرأ ما كتبته “محسوبتكم”، فقدرت أنّه ربّما كان مشحوناً بكلّ ما قاله هذا الأديب “فاعل الخير”.. أمّا ردّة فعلي فكانت باردة جدّاً وقلت له: “لا بأس.. يوجد مثله الكثير ممن يقرأ بانفعال ثمّ بعد أقل من عام أو أكثر يتّصلون ويؤيدون ما كتبت”.
طبعاً لا أذكر هذين الموقفين من باب “شوفة الحال” أو “الغرور” كما سيظنّ البعض، لكن من باب اطلاع من يقرأ هذه الكلمات على غيض من فيض ما يحصل في الوسط الثّقافي والإعلامي.
المثقف “المصلحجي”
ويقصد به كلّ متملّق، يرتبط قوله عن غيره من المثقفين والأدباء بمصالحه معهم، إنّه مستعد لأن يكتب المعلّقات فيهم، والدّفاع عنهم دفاعاً قاتلاً، وفي لحظة انتهاء المصالح يتظاهر وكأنّه لا يعرفهم، بل لم يسمع بأسمائهم، لكن المحاباة وعلى ما يبدو أخذت شكلاً آخر، هذه المرّة ليس عبر وسائل التّواصل الاجتماعي، بل عبر الإعلام ذاته، فيستضيف مقدم أو معدّ البرنامج أشخاصاً بعينهم وكأنّه لا يوجد في الوسط الثّقافي غيرهم، طبعاً لا نتحدّث هنا عن البرامج متعددة الفقرات، بل البرامج المتخصصة، ومثلهم يفعل بعض الأدباء سواء أكانوا يعملون في الإعلام أم لا، إذ تتفتّق مواهبهم الصّحفية فجأة ويركضون لكي يكتبوا مقالة عن أديب صديق أو أديبة صديقة، موزّعين مقالاتهم على مختلف المواقع، لكن ما يحزّ بالنّفس هو أنّ المدّاح ذاته يتناول بعض الأديبات والإعلاميات بكلام لا يليق بهنّ، ولاسيّما اللواتي يشاركن في ملتقيات ومهرجانات خارج البلد، أقول هذا، وأستذكر ما كتبه شاعر منذ أيّام عبر حسابه على الـ”فيسبوك”، ومن غيرته على الأديبات في بلده، حذّرهن من المشاركة في مهرجانات خارجية مشكوك في أخلاقيات القائمين عليها، من دون أن يذكر مهرجاناً بعينه.. وسؤالنا: أإلى هذا الحدّ وصلنا؟.
في هضم الحقوق
إن تحدّثنا في التّغطية الصّحفية، فسنقول، يذهب الصّحفي إلى مكان إقامة النّشاط الثّقافي أينما كان، ويسجّله من أوّله إلى آخره، ويسمعه مرّة أخرى في المنزل ويفرغه ويكتبه ويحرّره ومن ثمّ يسلّمه إلى قسمه من أجل النّشر.. وأخيراً ينشر الخبر أو المقالة أو التّغطية ويشاركها الصّحفي على صفحته، ليجد أنّ المتفاعلين معه قلائل مقارنةً بالمتفاعلين مع من شارك المنشور من مشاركين في النّشاط أو قائمين عليه، مع العلم أنّ غالبيتهم أصدقاء مشتركين معه، وطبعاً هذا الكلام ينطبق أكثر على الحوارات، سواء أكانت مع قاصّ أم روائيّ أم شاعر..
أقول قولي هذا وكلّي أمل في ألّا يجيّره البعض وفق مصالحه وأهوائه،على مبدأ أن نقول ونكتب ونشير بأصابعنا إلى عللنا خير من أنّ نجامل ونتملق ونستغيب ونتسلّق.