دراساتصحيفة البعث

منظمة شنغهاي للتعاون.. خطوة عملاقة أخرى إلى الأمام

هيفاء علي

عقدت منظمة شنغهاي للتعاون قمّتها الرابعة والعشرين لرؤساء الدول في 4 تموز في أستانا، كازاخستان، وكما جرت العادة، انتقدت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية هذا الحدث أو تجاهلته تماماً على الرغم من أنه حدث شديد الأهمية ويدرج في كتب الأرقام القياسية. وقد جمع في غرفة واحدة زعماء الدول التي تمثل 80% من مساحة اليابسة الأوراسية، و40% من سكان العالم، وما يقرب من 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وكانت هذه المنظمة ثمرة أكثر من عقدين من الزمن من الدبلوماسية بين دول أوراسيا وهي تضمّ اليوم 10 أعضاء أساسيين، حيث انضمّت إليها بيلاروسيا في 4 تموز، و14 دولة “شركاء في الحوار” من آسيا والشرق الأوسط.

وافق المشاركون في القمّة على 25 وثيقة استراتيجية تغطي الطاقة والأمن والتجارة والبيئة والتمويل، وكانت الرسالة واضحة، وهي أن التكامل الأوراسي يستمر في التقدم بحماس جامح على الرغم من الصراعات الدموية، والتدخل السافر من القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للدول الآسيوية، والافتقار إلى الموثوقية المتزايدة في التكامل الأوراسي، للدولار الأمريكي كوسيلة “غير حزبية” للتبادل ومخزن للقيمة.

مفهوم الأمن الأوراسي

القصة الحقيقية لقمة منظمة شنغهاي للتعاون، هي أن الدول الأوراسية تسعى جاهدة لإنشاء إطار أمني جماعي غير قابل للتجزئة يتمحور حول أوراسيا، من شأنه أن يعمل جنباً إلى جنب مع البنية الأمنية الدولية في فترة ما بعد الحرب، على الرغم من الظروف الصعبة، وعيوب الأخير وتناقضاته.

وقد أعربت الصين عن ترحيبها بمشاركة حلفاء الولايات المتحدة في اتفاقية أمنية جديدة، بينما شدّد رئيس منظمة شنغهاي للتعاون ومضيف المؤتمر الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف على التركيز على الأمن قائلاً: “يواجه العالم اليوم تحدّياتٍ خطيرة بسبب التناقضات الجيوسياسية غير المسبوقة واحتمالات الصراع المتزايدة. إن البنية الأمنية الدولية معرّضة للتهديد، الأمر الذي يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على البشرية جمعاء. وفي هذا الوقت الحاسم، تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة لتعزيز السلام والاستقرار والأمن من خلال الجهود الجماعية على الصعيدين الإقليمي والعالمي”.

ومن جهته، أدلى الرئيس الصيني شي جين بينغ بالملاحظة نفسها: “بغض النظر عن كيفية تغيّر المشهد الدولي، يجب على منظمة شنغهاي للتعاون أن تحافظ على نظام أمني مشترك وشامل وتعاوني ومستدام. فالأمن الحقيقي يعتمد على أمن جميع البلدان”. وقال رئيس أوزبكستان ميرزيوييف: يتعيّن على أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون البناء على “روح شنغهاي” للوحدة والتماسك و”تكثيف الجهود المشتركة لتعزيز مناخ الثقة والصداقة داخل منظمة شنغهاي للتعاون وإزالة العقبات أمام تعاون أعمق ومن الضروري إجراء عملية إعادة تقييم شاملة للأساس المفاهيمي الذي تقوم عليه الأنشطة الأمنية التي تقوم بها منظمة شنغهاي للتعاون.

وردّد رؤساء دول أذربيجان وبيلاروسيا وإيران وقيرغيزستان ومنغوليا وباكستان وروسيا وطاجيكستان وتركيا هذه المشاعر.

وفي معرض تعليقها على هذا الحدث، أشارت تقارير إعلامية غربية إلى أن مودي لم يحضر قمّة منظمة شنغهاي للتعاون لأنه شعر “بعدم الارتياح مع بعض الأعضاء بشأن الاتجاه الذي تسلكه منظمة شنغهاي للتعاون”. ووفقاً لمصادر هندية، كان مودي، بصرف النظر عن واجباته البرلمانية الملحّة، متردّداً في التعامل مع الرئيس شي حتى يتم إحراز المزيد من التقدم على المستوى الوزاري بشأن حل قضايا الحدود الصينية الهندية على طول خط السيطرة الفعلية في لاداخ. وبالنسبة لمودي وشي، كان من السابق لأوانه أن يلتقيا. ومن المرجّح أن تظل قضايا الحدود بين رئيسي الدولتين دون حل حتى اجتماع بريكس في تشرين الأول القادم 2024 في قازان، روسيا.

وحسب مراقبين، فإن القول إن مودي غير مرتاح لقيادة منظمة شنغهاي للتعاون هو هراء، ومن المرجّح أن كبار المسؤولين في مؤسسات الفكر والرأي الغربية غير مرتاحين للاستقلال الاستراتيجي الناشئ في الهند ولكن هذه قصة أخرى.

وفي الوقت نفسه، أكّد أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون عزمهم على زيادة استخدام العملات الوطنية في التجارة بين البلدان، ودعوا إلى توسيع أنظمة الدفع والتسوية غير سويفت داخل المجموعة، ومرة أخرى، لخّص الرئيس توكاييف وجهة النظر قائلاً: “لقد اكتسبت عملية الانتقال إلى التسوية بالعملات الوطنية زخماً إيجابياً”. وجاء في إعلان أستانا: “شدّدت الدول الأعضاء على أهمية مواصلة تنفيذ منظمة شنغهاي للتعاون من الدول المهتمة من أجل زيادة تدريجية في حصة العملات الوطنية”. سوف تستمرّ جهود منظمة شنغهاي للتعاون للابتعاد عن أنظمة الدفع والتسوية الغربية في اكتساب الزخم طالما استمرّ الغرب في تطبيق العقوبات والقيود الأحادية الجانب على استخدام الدولار الأمريكي، سواء اعتبر أعضاء الجنوب ومنظمة شنغهاي للتعاون أن ذلك يتعارض مع القانون الدولي والأمم المتحدة أم لا.

وهكذا، لم يكن إعلان أستانا 2024 تكراراً بيروقراطياً بسيطاً لإعلان سمرقند 2022، في صيغته الجديدة بعد انضمام المزيد من الدول إليه، إذ يمثل إعلان أستانا مجموعة مدروسة من الإعلانات والمبادئ حول نيّات وسياسات أعضاء المنظمة.  إن هدف منظمة شنغهاي للتعاون المتمثل في إنشاء إطار جديد للأمن الجماعي يتمحور حول أوراسيا ويعترف بالاستقلال السيادي للدول المستقلة في عالم متعدّد الأقطاب ومبدأ أن السلام يخدم على أفضل وجه من خلال سياسة خارجية تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة هي القصة الحقيقية لمنظمة شنغهاي للتعاون في أستانا لعام 2024.