فنانو حلب في جامعة حلب.. ما الذي يميز “معرض الفن التشكيلي والتراثي”؟
غالية خوجة
تتنوع فنون حلب العريقة في كل المجالات، وتظل تبدع الحياة، لأن داخل كل إنسان فيها تقبع قلعة من الصمود والنصر وشجاعة البدء من جديد.
وهكذا تدور عجلة القدر الجميل ليس كما دارت في موسيقا “كارمينا بورانا”، وإنما كما تديرها روح حلب بإيجابية متفاعلة بين الثقافة والفنون والأدب والعلوم، وضمن هذا الدوران يستمر المعرض الدوري السنوي في المكتبة المركزية بجامعة حلب، ليكون عنوان دورته الثانية “فنانو حلب في جامعة حلب” بين 14 و18 الشهر الجاري، ويتضمن أعمالاً متحركة بين عدة مذاهب ومدارس منها الواقعي والرومانسي والتعبيري والتجريدي والبورتريه والواقعي السحري، إضافة لبعض المشاركات المفاهيمية وإعادة صياغة اللحظات بين الماضي والحاضر والآتي.
كما أن المعرض يجمع بين التشكيلي والتراثي، وهذا ما تنسجم معه الأعمال بمكوناتها بين فنون العمارة، ولا سيما الشرقية البارزة في حلب، مثل القلعة، الأزقة، الأسواق، منارة حلب، البيوت العربية، والحياة الموروثة بفلكلورها النفسي والاجتماعي والحياتي اليومي، وتاريخ الحرف والمهن اليدوية مثل النول ومنسوجاته وصانعيه، والفسيفساء، وأعمال أخرى تطبيقية، مما يشعرنا بأننا نمر بين حارات حلب وأزقتها ونبضاتها المقنطرة مثل معالمها القديمة بنوافذها الخشبية المزخرفة، ورائحة الزمن العابر بين ذاكرة وحرب وأمان، وحيويتها الحياتية من خلال الشخوص وهي تمر، بينما ظلالها ملتصقة بحجارة البازلت والأرصفة والأشجار والفصول.
وعن المعرض أخبرتنا الفنانة منى خياط، مشرفة ومنسقة ومشاركة بأعمالها أيضاً، أنه يشارك 45 فناناً وفنانة من أجيال عريقة وشابة بأعمالهم الفنية المتنوعة بين لوحات ومنحوتاتوقطع من الفلكلور الحلبي، والذاكرة السورية، وهي عبارة عن انعكاسات للحياة المعاصرة، والدواخل الإنسانية والأبعاد الاجتماعية، وأشعر بأن هناك تطور مع الدورة الثانية على جميع الصعد.
بدوره، أكد الفنان يوسف مولوي، رئيس فرع حلب لاتحاد الفنانين التشكيليين، على مساهمة الاتحاد في تفعيل دور الفن وتقديم الدعم لجميع الفنانين.
وتابع: طبعاً، جامعة حلب غنية بالطاقات، وهي منبع للتراث والأصالة، ومن خلال الكليات والمعاهد الموجودة فيها تخرّج خيرة الفنانين على مرّ السنوات، وعملنا بالتنسيق كاتحاد للفنانين التشكيليين مع فرع الحزب بالجامعة ـ مكتب العمال والاقتصادي والنقابات المهنية الفرعي، ومكتب الشباب الفرعي، وشعبة الشهيد أحمد العزاوي، بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة، وهذا التعاون معاً على غايته إبراز بعض مواهب الفنانين من خلال مشاركتهم مع فنانين من حلب، لتندمج الخبرات، ويرصدوا التراث والواقع والحركة التشكيلية، مما يساهم في تبادُل الخبرات بين فناني الجامعة وتجارب أساتذة الجامعة وخبرة الفنانين الكبار، منتجاً نوعاً من التوأمة المتفاعلة بين الجامعة والفن والمجتمع.
أمّا الفنان إبراهيم داود، أمين سر الاتحاد، المشارك بلوحتين تعبيريتين، فرأى أن المعرض يحرك الفضاء الفني بين الجامعة والمجتمع، ويعكس خبرات المشاركين وتقنياتهم وموضوعاتهم، ويساهم في حيوية الحركة التشكيلية بين الأجيال.
لكن، كيف تكون “الأم وبناتها” في لوحات فنية؟
فهذا ما أجابتني عنه الفنانة المشاركة علياء ريحاوي: تتفرع اللحظات الوجدانية إلى عوالم متناغمة في دواخلنا، وهذه اللحظات رسمتها تعبيرياً بثلاث لوحات تجسد عالمي الخاص مع بناتي، فتبدو في اللوحة الأولى ابنتي الحالمة بمشاعر الانتماء والسلام، تقابلها لوحة مشابهة لابنتي الثانية، وتتوسطهما لوحة لثلاث شخصيات هم الأم وابنتيها، وحاولت أن أرسم لمسة الروح الخاصة في هذه العلاقة بين الأم والبنات، أو بين البنات وأمهم، وما بينهن من رابط المودة والرحمة والسلوك المتوارث الأداء، المتكرر بحالته الخاصة، فمهما تعددت الاختلافات والحالات تبقى الفتاة شبيهة أمها، إضافة إلى أنني رسمت الاندماج الفكري، وخلاصة الاندماج الروحي رغم اختلاف الآراء، مما جعلني أن أرسم هذا التناغم بتعبيرية تكملها مكونات وألوان اللوحات من حمامة السلام والشمس والضوء الداخلي للشخصيات.
وركّز الفنان خلدون الأحمد المشارك بثلاثة أعمال على أهمية الفن كلغة جمالية وغناء بصري، ولذلك، نعمل على إيجاد صور تأخذنا إلى مساحات النور، وهنا، وسط طلاب الجامعة تنتشر الثقافة البصرية بتعدد مدارسها الفنية، فيلتقي الفنان مع عمله والطلاب والتجارب الأخرى، في حالة راقية تبث الفرح بمسارات اللون مع الشباب ليتمكنوا من الحوار مع الفنانين حول منجزهم التشكيلي، مما يضفي مناخاً جميلاً يجعلنا جميعاً روحاً للعطاء والحب، ولوحاتي تأتي بإيقاعات جمال الحرف العربي ولغتنا الضاد كأجمل لغة في العالم.