“الاستحقاق” والوعي الجمعي
بشار محي الدين المحمد
من المستغرب، ونحن على أبواب الاستحقاق الدستوري لانتخابات أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع، وجود بعض الأصوات المخّلة بالجو الديمقراطي لهذا الاستحقاق، وخاصةً أنها تصدر عن فئات يفترض أنها مثقفة، وواعية، ورائدة في هذا المجتمع، فبعضهم وللأسف حاول تسخيف بعض معاني الاستحقاق من خلال اتباع آلية لفت الجمهور الذي يتلقاه إلى السلبيات أو العيوب أو الهفوات، أو ربما حتى بعض مواطن الفساد والخلل المتعمد، ومن ثم تعميمها وكأنها هي الوضع السائد الذي لا علاج له.
ونتساءل ها هنا: ما الفائدة التي تجنيها تلك الأصوات، وهل ما يُقدمون عليه يمثل ديمقراطية أو نقداً بنّاء، ولماذا لا يجترح هؤلاء الحلول – التي هي بسيطة وسهلة من منابرهم – ويطبقونها على أرض الواقع مع جميع أبناء هذا الوطن لتلافي العيوب؟
إن عدم الإعجاب ببعض العبارات الواردة في برنامج مرشح ما، أو في برامج عدد من المرشحين، سواءً وقع بشكل متعمد، أو كان ناجما عن قلة وعي وخبرة، وربما خطأ في الصياغة والتعبير، لا يعني فساد المرشح أو فساد التجربة برمتها.. والقول إن “المجلس السابق لم يحقق شيئاً، أو يحسن شيئاً من حال المواطن”، لا يعني أن هذا المجلس لم يعمل أو يطور ويصدر القوانين، أو لم يحدّث ويعيد هيكلة العديد من الجهات والمؤسسات والشركات العامة، أو أنه لم يشدّد عقوبات لأخطر الجرائم التي تنهش مقدراتنا العامة والطبيعية والاقتصادية بشكل متزايد…
كذلك القول إن “هذا العضو لم يعمل، أو لا يعرف زملاءه في المجلس، أو لم يشارك بأي مداخلة سابقاً” ليس أمراً يمكن البناء عليه على إطلاقه.
من هنا يتعين على أولئك الناقدين، وعلينا جميعاً أيضاً، التعمق فيما ينهي، أو يعالج، أو على الأقل يخفف تلك المظاهر السلبية ضمن هذا الاستحقاق، بل ضمن كل الاستحقاقات الكثيرة المقبلة، قبل التغني بالهفوات والنقائص.. فذلك لن يفيد الوطن والمواطن، بل على العكس ربما يقلل من نسب المشاركة، ويعزّز من حضور ونجاح أصحاب الغايات والمصالح تحت قبة هذا المجلس.
وأولى الحلول تكمن في بحث الناخبين أنفسهم عن برنامج انتخابي صادق وواقعي ويحترم عقولهم ومطالبهم بشكل موضوعي، وبحثهم عن قامات (اجتماعية، وطنية، ثقافية، عمالية) تنطق باسمهم وتمثلهم أفضل تمثيل، فذلك ليس من مهام الدولة ومؤسساتها، التي تنحصر وظيفتها في وضع شروط قبول الترشيح وضمان نزاهة عمليات الاقتراع والفرز.
وتالياً، على الناخبين أن يقدّروا مدى أهمية هذا الحق والواجب الدستوري الوطني، فالمشاركة تعبّر عن وجود شعب واعٍ، قادر على حكم نفسه بنفسه من خلال هذا المجلس وكل المجالس والمنظمات الشعبية والنقابية التي تحقق المشاركة الفعالة في التخطيط والبناء، فيما تعبّر قلة المشاركة عن خلل ضمن الوعي الجمعي، وعدم تقدير وإهمال من المواطنين لواقعهم ومتطلبات النهوض به.
وأخيراً، لا بدّ من التذكير بمسؤولية ودور المرشّح للمجلس، إذ يجب أن يكون أهلاً للثقة والأمانة الممنوحة له، وعليه أن يضع نصب عينيه حقيقة أن “المنصب تكليف وليس تشريفا”، وأن الحصانة هي ضمانة للشعب وحقوقه، وليست امتيازاً شخصياً، فمهما تعدّدت أنواعها من موضوعية تحت قبة المجلس، أو إجرائية تتعلق بوقائع خارج أعمال المجلس، أم مرافقة أو لاحقة لفترة العضوية، يمكن رفعها عند الانحراف من قبل المتمتع بها ومحاسبته وفقاً لأحكام القانون الذي يطبق على الجميع بلا استثناء.