رياضةصحيفة البعث

انتخابات الأندية أعطت مؤشرات سلبية عن الرياضة.. فهل من حلول؟

ناصر النجار

المتابع للانتخابات الحالية لأندية الدرجة الممتازة بكرتي القدم والسلة يلمس العسر الشديد الذي تواجه الرياضة، وأن الأزمة التي تعاني منها أنديتنا كبيرة، دون أن يكون هنالك حلول موضوعية لمعضلة الانتخابات، ما سيؤدي  إلى أنصاف الحلول المؤقتة التي لن تسمن ولن تغني من جوع.
الانتخابات التي انتهت بنجاح خرجت بالتزكية كما حدث في أندية أهلي حلب والطليعة والنواعير والشعلة والوثبة والكرامة، وأندية شهدت بعض الزحام كناديي الحرية والوثبة، دون النظر إلى انتخابات أندية الهيئات التي تتبع وزاراتها وهيئاتها وتلك لها أنظمتها المتبعة في الانتخابات ونقصد هنا أندية المحافظة والشرطة والجيش.
لكن المشكلة الكبيرة التي أحبطت هذه الانتخابات عزوف المرشحين عن التقدم لانتخابات أندية الفتوة وجبلة وحطين وتشرين، فتم تأجيل انتخابات هذه الأندية حتى نهاية هذا الأسبوع على أمل أن يتم التواصل مع مجموعة من رياضيي ومحبي هذه الأندية للدخول في الانتخابات، لذلك فإن الفترة الممتدة حتى نهاية الشهر ستكون حاسمة على هذا الصعيد، فمن المستحيل أن تبقى إدارات هذه الأندية بالتحديد فارغة وتنتظر من يقودها.
وإذا دققنا النظر في الأندية المتعثرة لوجدنا أنها تسيطر على المراكز الأولى في الدوري الممتاز لكرة القدم، وهي رائدة كرة القدم السورية.
الصورة اليوم سوداء قاتمة وهي على عكس الصور السابقة التي كنا نراها متزاحمة في سباقها نحو الفوز برئاسة الأندية وعضوية مجالس إدارتها، والسبب في هذا التحول الكبير والهروب من المسؤولية أمور متعددة ربما أغفلنا معالجتها في السنوات السابقة لتزداد أزمتها ومشكلتها لأنها بقيت بلا حلول ناجعة.
السبب الأول تنظيمي الشكل والمضمون، فأنديتنا اعتادت على التعيين، وفي كل مرة نجد إدارات استقالت فجأة لتخلفها إدارات جديدة بجرة قلم، أو لجان مؤقتة تدير العمل في الأندية التي غابت إداراتها أو غُيّبت، وهذا الأمر أنسى الناس فكرة الانتخابات وكيفية إجرائها وشروطها من الباب التنظيمي، والملاحظ هنا أن كل الأندية كانت تطالب الأعضاء بتسديد الرسوم المالية التي هي عبارة عن اشتراكات الأعضاء السنوية، فأغلب الأعضاء نجدهم في فترة الانتخابات غير مسددي هذه الرسوم، ومن أراد التصويت بات عليه لزاماً أن يدفع هذه الاشتراكات التي لم يعتد على دفعها مسبقاً، وهنا نجد تقصير الأندية في هذا الاتجاه، فأغلب أعضاء الأندية هم من الكوادر أو الموظفين أو اللاعبين وكان المفترض بالأندية أن تحسم هذه الاشتراكات من رواتب أعضائها بداية كل موسم ، ولو تم تطبيق ذلك لما وجدنا هذه المشكلة تقف عثرة أمام البعض، وللأسف اعتاد بعض الأعضاء المقصرين أن يقوم أحد المرشحين بدفع اشتراكاتهم عنهم ليكسب أصواتهم، وهذا مخالف للقانون ويشكك بنزاهة الناخب والمنتخَب.
السبب الثاني وهو مهم جداً يتمثل بغياب المحاسبة الجادة عن إدارات الأندية، وللأسف فإن الكثير ممن استلموا قيادة الأندية فهموا أن مقولة “النادي شخصية اعتبارية تملك حق التصرف وخصوصاً المالي” تؤهلهم للتصرف كيفما يشاؤون، ما أضاع على الأندية الكثير من المال بسبب سوء التصرف، ونحن هنا لا نتهم أحداً بمخالفات قانونية مالية مقصودة، إنما سوء التصرف أدى إلى الهدر، سواء كان ذلك بمشاريع فاشلة أو عقود استثمارية مجحفة بحق النادي أو بمصاريف لا طائل منها أو بعقود مع لاعبين وكوادر تجاوزت الحد المنطقي والميزانية المفترضة، ليأتي التضخم الذي وضع النادي أمام مشكلة كبيرة لأن الواردات لم تعد تغطي النفقات، ولأن الاستثمار صار ضعيفاً وغير مقبول.

وسوء الإدارة أدى إلى دخول العديد من الأندية في مخاصمات محلية أو خارجية، مع لاعبين ومدربين، عبر محاكم الفيفا، وكذلك مع المستثمرين وأصحاب العقود، وقد صارت هذه المخاصمات تملأ أروقة القصر العدلي، لذلك فإن غياب المحاسبة الجادة في السنوات الماضية، ولنقل في آخر عشر سنوات، أوصلت أنديتنا إلى ما وصلت إليه من عجز وإفلاس.
السبب الثالث يتجلى في البحث عن الحلول الإسعافية بعيداً عن الركائز الأساسية في إدارة الأندية، وهذا ما ظهر بتعيين أصحاب المال والدعم على قمة هرم الأندية ما أفقدها مضمونها الرياضي، وأفقدها الحلول الجذرية الدائمة، لذلك كان الشرط في تعيين إدارات الأندية أن يكون المعينون من الأشخاص القادرين على حمل مصاريف النادي، ونحن هنا لا بد من باب الوفاء أن نشكر هؤلاء المحبين والداعمين الذين أنفقوا مالهم على الأندية في المراحل السابقة، لكن افتقادهم للخبرة الرياضية وللعمل الإداري المتميز أوصل بعض الأندية إلى مرحلة العجز التام، وأوصل الداعمين إلى مرحلة عدم القدرة على الانفاق من جديد، ولو أن هؤلاء عملوا على تنمية مالهم في الرياضة وتنمية العمل الرياضي لما وصلت أنديتنا إلى ما وصلت إليه، ولنا في نادي الفتوة خير مثال، فقيل في المواقع والصفحات الالكترونية أن إدارة نادي الفتوة أنفقت على فريق الرجال في الأعوام الماضية مبالغ كبيرة قد تصل إلى حدود المليارات العشرة، وربما كان هذا الرقم الافتراضي صحيحاً وربما كان أكبر أو أصغر بقليل، لكن ما الفائدة التي تحققت للنادي سوى الفوز ببطولة الدوري والكأس، وهذه فوائد مرحلية، أما مستقبل النادي فهو على كف عفريت، لأن هذه الأموال لم توضع في المكان الصحيح أولاً ولم تستثمر بشكل جيد، فلا يوجد للنادي مقر ولا ملعب جاهز ولا قواعد متينة، ونسأل اليوم ماذا ستفعل الألقاب أمام الواقع الحالي للنادي؟ ويمكن أن نضيف إلى نادي الفتوة أندية مشابهة دفعت الكثير ووصلت إلى حد الملل لأنها لم تصل بدفعها إلى نتيجة مرضية وثوابت قوية تعين على المضي بخطوات واثقة للأمام، ومنها أندية تشرين وحطين وجبلة، وللأسف فإن رئيس وداعم نادي جبلة وصل لهذه المرحلة لأنه وجد نفسه وحيداً في الميدان، ولو أنه وجد بصيص ضوء للمستقبل من خلال دعم النادي ببعض الاستثمارات التي يجب أن يملكها النادي، أو دخول بعض المحبين على خط الدعم والمساندة، لما تخلَ عن دعم النادي وقيادته، ومن الأمثلة نادي الساحل الذي أضاع كل شيء بموسم واحد لسوء الإدارة التي افتقدت الخبرة الإدارية والخبرة الرياضية معاً.
السبب الرابع هو غياب قانون الاحتراف وضعف الكثير من القوانين المالية والاستثمارية، وهذا يتطلب إصلاحات واسعة حتى لا تزداد المشكلة ويصبح حلها في غاية الصعوبة.
الاحتراف المنحرف قضى على أنديتنا وأدخلها بالعجز، والمقصود بالاحتراف المنحرف هو الاحتراف الذي يسير بلا ضوابط، وهذا ما وقعت به أنديتنا فسارت بالدوري خبط عشواء من خلال عقود كثيرة وكبيرة مع اللاعبين كلفت مئات الملايين، فنادي تعاقد مع 20 لاعباً وآخر مع خمسة عشر لاعباً، وأقل الأندية تعاقداً اشترى عشرة لاعبين، فضلاً عن التغييرات الدائمة بالمدربين التي ترهق الأندية بعقود كثيرة مع كل طاقم تدريبي جديد، هذا الفلتان وضع الأندية امام مصاريف كبيرة أدخلتها في العجز، فضلاً عن أن هذا التسيب الاحترافي أدى إلى تراجع كرة القدم بشكل عام وذلك لغياب الاستقرار ولعدم العمل بشكل صحيح في بناء كرة القدم والعناية بالفرق القاعدية.
لذلك لا بد من وضع ضوابط للاحتراف يتم الالتزام بها ومحاسبة الأندية على كل مبلغ يتم دفعه من تحت الطاولة.
هذه أهم الأسباب التي أدت إلى تواضع الانتخابات وفشلها في الكثير من الأندية، وهناك أسباب أخرى كثيرة، والحلول يجب أن تبدأ اليوم، وعلى أنديتنا التفكير العقلاني بقيادتها لكرة القدم من خلال الاعتماد على أبناء النادي، والاعتماد على القواعد وبناء فرق الرجال من لاعبي الشباب والأولمبي وبعض المخضرمين، فهذا الأسلوب مفيد في كل الاتجاهات لأنه يخفف النفقات لأكثر من النصف، ولأنه ينعش كرتنا ويحميها من كل حالات العجز الفني والمالي والإداري.