“عرّاف درب النحل” وقصي ميهوب.. بين التهكم والحب
ملده شويكاني
” قومي ارقصي فالأرض ملك قدميك…والبقية تأتي إليك”
هذا ما كتبه الملاح الجوي الشاعر قصي ميهوب في مخاطبة حواء في مقدمة مجموعته الجديدة الثامنة عشرة” عرّاف درب النحل” الصادرة عن دار بعل، والغلاف من تصميم الفنانة منى حمدان.
والسؤال لماذا درب النحل؟ فتجيب صفحات المجموعة بتورية وبمعنى غير مباشرعن دلالة درب النحل، الذي يعني تمام القدرة وكمال الحكمة، كما ورد في تفسير سورة النحل في القرآن الكريم.
وقد غلب على المجموعة هيمنة أسلوب التهكم والسخرية أحياناً في عينه الناقدة لسياسات بعض القوى العربية وتخاذلها تجاه “إسرائيل”، ولا سيما أنه الكاتب الناقد في الصحف المحلية، بينما يتخذ سمة الشعر الإصلاحي الاجتماعي في قصائد أخرى.
ويبني شعره بالاتكاء على التاريخ واستحضار رموزه “وهل نسيتم نبوخذ نصر؟”، ويتميز شعره الموزون والمقفّى بالتناص بأنواعه حتى الغنائي “الموشح والأوف والعتابا والميجنا”، وبالصنعة البديعية، مثل قصيدة هناك …هنا:
إني هناك ياهنا
أرنو…ولا ران رنا
لولا رأتني عينها
ياعينها عيني أنا
ماكنتُ أعلم أنها
في داخلي دنّاً دنا
وبتناوب الأسلوب الإنشائي والخبري واستخدامه الضمائر، وخاصةً ضمير الغائب، إلا أنه اعتمد بالدرجة الأولى على فن المقابلة في القصيدة الطويلة “الكفرمان” التي بُنيت على شكل مقاطع متتابعة تتكرر بها مفردة “للكافرين” التي جعلها عنواناً أساسياً برأس كل مقطع.
ويستهل القصيدة بإشارة توضيحية بسؤال عن اتهام المبدعين والفلاسفة وعلماء الرياضيات والفيزياء “بأنهم كافرون في هذا العصر كما العصور الماضيات، وربما إلى نهاية التاريخ؟؟؟”، وقد استهلها بأقوال القدماء:
قالوا:
بين الكفر والإيمان شعره أو ربما بعره
والغاوون بين الشعر والبعر على حسره
فكان الكافرون …كان المؤمنون
وقبل أن يبدأ بالمقابلة من خلال الصور الشعرية والتراكيب يبدأ بالتساؤل مستخفاً بمن يكفّرون الآخرين” وكيف يبني الله شرائعه على مزاج البشر؟؟” ليصل إلى فكرة الصراع مابين تفكير وتكفير.
ولم يقصد بالمؤمنين المعنى الحرفي الديني، وإنما استخدم هذه المفردة للدلالة على المتطرفين مثل “داعش” وتنظيمات التكفير والتطرّف الأخرى، بمناظرة شعرية تعتمد على المقابلة والمفارقة بإنجازات كل طرف، فالمبدعون والعلماء الذين اتُّهموا بالكفر، هم الذين أوجدوا الكتابة والطباعة.
كما استحضر أعلام الفكر والأدب ليبيّن فضلهم على البشرية:
“حمورابي …أوركاجينا
سقراط …أفلاطون…أرسطو
بوذا …وكونفوشيوس
ابن رشد…وابن سينا
والحلاج … ومحي الدين بن عربي”.
ويتابع الموضوع ذاته بأسلوب آخر بالقصيدة التي اعتمد فيها على قافية حرف القاف، فبدأ بالانطلاق من الذات إلى الكل بصوت الشاعر بضمير المتكلم الذي أخذ دور السارد الشعري، يقترب فيها أكثر من الهمّ السياسي في الوطن العربي مكرّراً فيها مفردة ” خمسون” عمر الشاعر، فينتقد بعض الحكام الذين يستغلون خيرات وطنهم لمصالحهم الخاصة، أو يحاولون التطبيع مع كيان العدو الصهيوني:
باعوا مع التطبيع كل كرامة
وتقامروا بالأرض والأعراق
وفي نهاية القصيدة يوجه رسالة للشباب كي يبنوا أوطانهم بالعلم:
ويا شباب اليوم
كونوا شعلة
مشكاتها من موقد الآفاق
ثوروا على
الدين المسيس، واقذفوا
بعمامة الفجّار والفسّاق
ومن زاوية أخرى استلهم من أسطورة الخلق وقصة آدم وحواء قصائد عشق وجدت مكانها في سطور المجموعة بصور شتى، منها، قصيدة هيروديا- زوجة الملك هيرودس وأم سالومي-:
أهواك
في مطر الشتاء مواقدا
تحت الرماد بجمرك المتواري
أهواك
آذار الربيع مناجياً
ما قيمة النجوى بلا آذاري؟؟
ولم تقتصر المجموعة على الشعر، إذ كتب مقدمة طويلة من روح القصائد القائمة على التهكم والسخرية، معتمداً على أسلوبه الشعري في النثر في التكرار، فكرر جملة” والبقية تأتي” تناول فيها بعض المسائل المفصلية التي تنسحب على الحياة السياسية والاجتماعية والدينية والأدبية، منها سطوة المال، فبرأيه” المال أيضاً هو السيد المطلق في عالم الأدب والشعر، فيرفع من يرفع لغاية، ويضع من يضع لنفس الغاية، فأين الذائقة العربية المهجة في هذا العالم المتدهدك تحت سطوة إله المال؟”
ويترك الباب موارباً والإجابة مفتوحة؟ على من يحصلون على شهادات منمقة مزركشة محفورة بخيوط الجهل المذهبة؟
وتنسحب أسئلته لتطال وسائل التواصل الاجتماعي ودورها بالترويج لسخافات عبر صفحات خاصة وعناوين براقة” نتساءل لمصلحة من كل هذا التشويه المتعمد لعوالمنا الأدبية وتراثنا الموسيقي الحاضر قبل الماضي، والذي يميزنا عن غيرنا من باقي الحضارات الإنسانية؟”
والبقية تأتي أيضاً عن الأفكار السامة في الكتب المسممة والدين المسيس؟.