لصوت الناخب حصانة أيضاً
علي اليوسف
تزدحم الهواجس هنا وهناك عشية الانتخابات لعضوية مجلس الشعب في دوره التشريعي الرابع، وكلها تنظر وتتأمل وتأمل التغيير الذي رسمت ملامحه الدولة السورية باكراً مع رفع الحصانة عن عدد من أعضاء المجلس السابقين بإجراء قانوني تجاه أخطاء معينة ومحددة، والتي كانت بمثابة إشارة مهمة للمرحلة القادمة بأن المساءلة القانونية ستكون نهجاً مستداماً، وليس آنياً تجاه من يستغل القبة وحصانتها لغايات وأهداف شخصية.
هذه المبادرة القانونية ليست عقاباً في معناها الكلاسيكي بقدر ما هي إعادة رسم لمبدأ المحاسبة تجاه كل من يتجاوز القانون حتى لو كان يتمتع بحصانة، وفي المعنى الأعمق هي نشر للوعي القانوني لدى شريحة الناخبين وكل المواطنين، وإحقاق الوعي الانتخابي، ومدى استعداد الناخب للالتزام بأهمية صوته الذي بات هو الآخر محصناً بوعيه واختياره، وأن لا يتركه رهينة انحراف حسابات مشوهة، أو تفكير بما لا يليق بالانتماء الوطني الحقيقي، لأن ذاك الصوت بالإضافة إلى باقي الأصوات الوطنية العقلانية هو تأكيد من نوع آخر على مجتمع المشاركة ودولة المواطنة.
فالأهمية هنا تكمن في شعور الناخب بمدى تأثير صوته الانتخابي، إذ كلما كان صوت الناخب وطنياً كلما أكد أن هذه المسيرة تسير على نهج سليم. وعليه من الضروري أن تكون الخيارات الصحيحة نابعة من اختيار الشعب لنوابه وممثليه بشكل عقلاني، بعيداً عن نزوات ومصالح ومال انتخابي. فالمواطن الذي عانى من عدم إخلاص بعض نوابه وممثليه، خلال الفترة الماضية، عليه أن يتعلم الدرس اليوم كي لا يعاني من مشاعر الإحباط، وعدم جدوى المشاركة في صنع القرار. بل على العكس عليه أن يعي، وتحديداً في هذه المرحلة التحولية في تاريخ سورية، أن المشاركة في الانتخابات واجباً وطنياً واستحقاقاً دستورياً، ومن شأنها رفع إدراك الناخب بأهمية صوته، وبالتالي خلق وعي سياسي واجتماعي سيتشكل تدريجياً داخل المجتمع.
ومن الخطأ هنا طرح صيغ التشفي، وفي بعض الجزئيات تكريس مفهوم “الشماتة” لأن المسألة هنا لا تتعلق بمجرد عقوبات قانونية أو مسلكية بقدر ما تتعلق بتحفيز الخيار الوطني لدى الجمهور من العملية الانتخابية، فالناخب – مع الإجراءات القانونية الأخيرة – بات لزاماً عليه أن يتحرر من أية قيود أو لامبالاة ما دام هناك مساءلة ولا مظلة على أحد.
هذه الأجواء المستقرة كفيلة بمنع الناخب من التعرض لأي نوع من البروبوغندا، ولكن من الصحيح أن على الناخب أن يمنح صوته بوعي للذي يثق بأنه على قدر المسؤولية، لأن الصوت الانتخابي يظل الحارس الأمين لمصالح الشعب، فصوته محصن ومهم لبناء الوطن، ولن ينجح الصوت الانتخابي في التعبير عن نفسه، ولا في التأثير، ما لم يكن بالوعي الكافي وبالمعرفة وبالتحرر من كل أشكال التبعية لمشاعر أو عواطف مرضية على حساب رجاحة الاختيار وصحته.