ما وراء الضباب جدول عذب مطعّم بالإدهاش
أمينة عباس
لم تتنصّل الشاعرة لينا حمدان في ديوانها الجديد الذي وقّعته مؤخراً في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة والذي حمل عنوان “ما وراء الضباب” من ذنوبها قائلة في مقدمته: “أعترف بكلّ ما في هذه الصفحات من ذنوب، وعليه أوقّع” في الوقت الذي أيّد فيه الشاعر توفيق أحمد ما سمّاه بعضهم خطايا حمدان في الشعر: “ورد في بعض الدراسات أن في شعر لينا حمدان خطايا، وهي أقرّت بوجودها، وأنا أحب هذه الخطايا ولا أريد لها الغفران لأنها ساعة ذاك ستنسحب حمدان من الشعر وهي الشاعرة المنسجمة مع ذاتها، وهذا يظهر في كتاباتها وسلوكها الشخصيّ، وأنا سعيد أننا نحتفي بمجموعة شعرية جديدة لها فيها الكثير من الغياب والفقدان والشعر”.
في حين بيَّن الشاعر والإعلامي جمال الجيش مدير الندوة التي عُقدت قبل توقيع الشاعرة للديوان: “الاحتفاء بالمجموعة يدلُّ على انتصارنا بالحبّ والوجدان والحياة والفرح والشغف، والشاعرة تضعنا في حالة شعر حقيقية تجعلها تنتمي إلى الصف الأول وتبيّن قدرة المرأة الشعرية وهي التي حاولت في مجموعتها الانتقام من الواقع القاسي والاستمرار في الحياة بشكل إيجابي، وهذا من مقوّمات فلسفة الحياة التي تميز ذات الشاعرة وتستفزها على طرح أسئلة الوجود في منجزها الذي يمتلك مقومات الشعر والحداثة والأصالة في زمن صعب ليقدم ما هو غير مألوف في عودة الشاعرة إلى الرومانسية الحقيقية والشعر الحقيقي”.
وهذا ما اتفق معه د.راتب سكر في مشاركته قائلاً: “يلاحظ من يتابع المجموعات الشعرية السورية والعربية في العقود الأربعة الأخيرة استيقاظاً متنامياً للشعرية الرومنسية، وما المجموعة الشعرية الجديدة للشاعرة لينا حمدان إلا شاهداً على ذلك، وقد تمثّل بألفاظ الوجدان والانكسار والإلهام والاعتراف، وعنوان مجموعتها الذي يعلن عن رسم اتجاهات نصوصها إلى عوالم تيه وحيرة ظلت أثيرة لدى كبار الرومانسيين عربياً وعالمياً، ويستطيع المرء أن يستحضر عنواناً شبيهاً من ديوان “وراء الغمام” لابراهيم ناجي عام 1936 وهو من أبرز أعلام المدرسة الرومانسية العربية”.
وتوقف الشاعر جابر أبو حسين عند الكثير من الصور الجديدة في قصائد المجموعة وعند الانزيحات اللغوية البديعة والقصائد التي احتضنت الوطن الجريح والحبيب الغائب والإنسانية المأمولة: “لغتها طافحة بالشعر والشاعرية وتتدفق جدولاً عذباً مطعّماً بالإدهاش في الكثير من المواضيع دون أن تخرج قصائدها عن قواعد موسيقا الشعر العربي وقد تنوعت المجموعة بين قصائد التفعيلة والعمودية لتعبّر عن واقع مجتمعنا وآلام وطننا ولا سيما في السنوات العجاف بدلالات كانت سهاماً ترشق الضباب بهدف انقشاع الحالة الضبابية والوصول إلى حالة من الصفاء والنور واتضاح الرؤية، فهي لم تغلق الأبواب نهائياً بل تركتها مفتوحة على الأمل”.
ووصفت الشاعرة إيمان موصللي في مداخلة لها قصيدة لينا حمدان بأنها “امرأة ناضجة، تتمشى على شاطئ البحر وتكتسب سمرتها لتزيدها أصالة، وحين يصرف منها البحر طمأنينتها تسرق منه صمته لتحوله إلى كلمات تبحر في أرواحنا دهشة وعمقاً وأحاسيس تلاحقنا دائماً موجة موجة”.
وعندما أرادت حمدان أن تختصر ما جاء في المجموعة وتفسّر ما فيها من حزن قالت: “لستُ حزينة في حياتي، ولكننا بالعموم نعيش الفرح مع الآخرين ونعبّر عنه بأشكال مختلفة، وعند الحزن ننسحب إلى الداخل ونصبح وحيدين، وليس لديّ تخطيط مسبق لما أكتبه، وقد أكون مقصرة بحقّ نفسي، إذ كان من المفروض أن أمتلك مجموعات أكثر، لكنني أترك نفسي على سجيتها”.
يُذكر أن “ما وراء الضباب” تضم 52 قصيدة موزعة على 160 صفحة من القطع المتوسط وهي صادرة عن دار بعل، وقد أصدرت حمدان مجموعتها الشعرية الأولى “ظلال من نور” عام 1990 وفي العام 1995 أصدرت “شواطئ الليل” ثم “أمواج” عام 2001 و”يوم احتراق الذاكرة” عام 2015.